السبت، 11 يونيو 2011

هيروشيما 25 يناير وضلالة "نعم" الكبرى


في الـسادس من أغسطس 1945 انطلقت القاذفة الأمريكية إينولا جاي فوق سماء مدينة هيروشيما اليابانية و قذفتها بقنبلة نووية في حدث هو الأول من نوعه في التاريخ و قد سموا القنبلة آنذاك "الولد الصغير" في إشارة إلى ما قد يأتي بعدها. لم تمض ثلاثة أيام و اليابان لم تفق بعد من هول الفاجعة إذ شقّت مقاتلة أمريكية أخرى عباب مدينة ناجازاكي في التاسع من نفس الشهر وألقت القنبلة الثانية "الرجل السمين" التي على إثرها أعلنت اليابان انسحابها بعد أيام قليلة وهكذا انتهت المعركة الأخيرة في الحرب العالمية الثانية وأسدل الستار على فصل هو الأسوأ في تاريخ البشرية حيث قُتل عشرات الملايين ونزفت أنهار الدماء نتيجة أطماع هذا وكبرياء ذاك.


أسدل الستار وانتهى فصل لكن المسرحية لم تنتهي, إذ يبدأ الفصل التالي على حقيقة أنه من يملك هذا السلاح الفتاك سيكون لديه القدرة أن ينتصر في أي حروب مستقبلية, ورغم توقيع إتفاقات سلام وما شابه إلا أن سباق التسلح النووي لم ينته, أما عنوان تلك المرحلة هو لا يهم كم هي قضيتك عادلة بل ما تمتلك من قوة. القوة التي تجعل أعداءك يخضعون و يذعنون خشية وإن كانوا أصحاب حق.


ولعل وجود بعض التشابه (مع الفارق) بين أحداث الحرب العالمية الثانية المذكوره إيجازا عاليه وأحداث الثورة المصرية هو ما نبهني لمراجعتها علُّ فيها نجد موعظة وعبرة.
ففي الخامس والعشرين من يناير 2011 خرج جموع المصريين في مشهد هو الأول من نوعه و انتشروا في شوارع القاهرة والمحافظات وما أن وصلوا إلى ميدان التحرير حتى أطلقوا القذيفة الأولى "الشعب يريد إسقاط النظام" معبرين عن إرادة الشعب شفاهة في إشارة لما قد يحدث بعدها. لم تمض أيضا أيام ثلاثة والنظام مازال متخبط لم يدرك حجم مصيبته إلا وخرجت جحافل المصريين وملئوا الشوارع والميادين مرة أخرى في الثامن والعشرين من يناير و أطلقوا القذيفة الثانية "جمعة الغضب".


 لم يصمد النظام القمعي أمام القذائف المصرية لست ساعات بل انهار سريعا أمام القوة النووية الضاربة "إرادة الشعب" التي على إثرها أعلن النظام انسحابه بعد أيام قليلة وانتهت المعركة وأسدل الستار على فصل هو الأسوأ في تاريخ مصر حيث قُتل المئات غدرا وفاضت السجون بالأبرياء وسقط نظام استحل أموال الفقراء, طرب لصراخ المظلومين, استلذ آنّات المقهورين وأسكرته الدماء, تجبر وتوحش بسبب أطماع هذا وكبرياء ذاك.


يبدأ الفصل الثاني وقد أدرك الجميع مقدار تلك القوة الجديدة "إرادة الشعب" التي قهرت ما لم يستطع أحد الدنو منه, وبدأ سباق التسلح وللأسف .. غاب عن تلك الفترة قوة الحجة وعدل القضية بل صارت الغلبة لمن يمتلك القدر الأكبر من تلك القوة الجديدة. و كان من الطبيعي في مثل هذا الجو أن يبرز ما اسموه بـالخطاب الاستقطابي والاستقصائي, أما الأول فهو محاولة كسب أكبر عدد ممكن من المؤيدين إما عن طريق الخطاب الديني أو الترهيبي أو الايديولوجي أما الثاني فهو محاولة نبذ وإلصاق التهم بالمخالفين عن طريق التكفير والتخوين وتحقير.


أكتب الآن مشيرا إلى جدل بدأ, ومن الواضح أنه سوف يستمر وستزداد حدته في الأيام القادمة عنوانه "الدستور أولا أم الانتخابات أولا" في محاولة لفهم أبعاده وأساليبه وتحليله في ضوء ما سبق ذكره من رؤية واستنتاجات, ومعطيات وضع راهن بتنا فيه جميعا.

فمؤيدي الدستور أولا لهم اسبابهم مثل: 
  • أن الدستور هو قواعد البناء, وغير منطقي أن نبني الأدوار العليا قبل الأساس!.
  • أن السلطة الدستورية تعلو على سلطة البرلمان والرئيس فيكف سنكلف مجلس الشعب والشورى بتشكيل جمعية تأسيس دستورية قد تلغي مجلس الشورى نفسه أو نسبة العمال والفلاحين. و غيرها من الأسباب التي تحترم وتبدو جيدة.


مؤيدي الانتخابات أولا لهم اسبابهم أيضا مثل: 
  • أن انتخاب جمعية تأسيس الدستور في الوقت الراهن أمر صعبا بل مستحيلا أن يتفق كل الشعب على أعضاء تلك اللجنة.
  • أن اختيار اللجنة من قبل المجلس العسكري هو أمر غير مقبول أيضا لأن الشعب نفسه (أو ممثليه) هم من لهم الحق في الاختيار. وغيرها الأسباب التي تحترم بل وتبدو وجيهه ومنطقية.


لكن ليس بكل الاسباب يليق الاحترام! .. وقبل أن أخوض في هذا الموضوع دعونا نتذكر معا المشهد الأول من الفصل الثاني حين اختار المجلس العسكري (منفردا) لجنة لتعديل الدستور وأعلن أن يوم 19 مارس سوف يتم طرح تلك التعديلات للاستفتاء الشعبي, كان الاستفاء له ما له وعليه ما عليه فقد مارس المصريون وبشراهه حقهم في المشاركة في الحياة السياسة وشهدنا إقبالا غير مسبوق على عمل سياسي عام لكن كان عليه الكثير أيضا فقد شاهدنا أول محاولة استقطاب واقصاء مفزعة بعد الثورة قام بها مريدو نعم ولا كلاهما في محاولات تضليل وتخويف وشحن ديني وعاطفي وتلاعب بمشاعر المتدينين وتأثير وتوجيه مباشر للجهلاء, الأمر الذي جعل أحدهم يتجاسر ويقول جهارا دون حياء أن الشعب قال نعم للدين ..


على أي حال, فقد جاءت نتيجة الاستفاء بقبول تلك التعديلات بنسبة 77% ولزم علينا جيمعا أن نحترم "إرادة الشعب" ونرضى بالديمقراطية التي ارتضيناها لأنفسنا.

الواقع هو أنه لم نتمكن من احترام إرادة الشعب لأكثر من 11 يوما! ففي يوم 30 مارس أصدر إعلان دستوري جديد يتضمن 63 مادة منهم الـ9 مواد التي استفتا عليها الشعب, أي أن تم احترام إرادة الشعب بنسبة (63 / 9 * 100) = 14.28% , هذا فضلا عن التناقضات الواضحة بين نص بعض مواد الإعلان الدستوري وما تم الاستفتاء عليه مثل المادة 40 من الإعلان الدستوري و المادة 93 التي استفتينا عليها وغيرها مما يقلل نسبة الاحترام لإرادة الشعب بدرجة أكبر.

أعود الآن لتلك الأسباب المنوه عنها سالفا التي يروج لها البعض وهي لا تستحق الاحترام, فأن يقول قائل أن مريدي الدستور أولا يريدون الالتفاف على مطالب الشعب ولا يحترمون إرادته, عفوا, بل هي احترام لإرادته و حماية لها .. عد واقرأ المادة 189 من نص التعديلات الدستورية التي وافقت عليها والمادة 60 من الإعلان الدستوري التي لم توافق عليها واحكم بنفسك, فأنى أرى أن السيناريو الذي يدافع عنه البعض بحجة أنه إرادة الشعب (حسب المادة 60) هو أبعد كل البعد عما ارتضاه الشعب ووافق عليه. وحجة هؤلاء ما هي إلا ارتماء في احضان إرادة شعب لم توجد, واستقطاب زائف واستقواء بإرادة لم تحترم.

عزيزي من تخالفني الرأي \ من حقك أن تتبنى ما تراه صحيحا وأن تدافع عنه بكل ما أوتيت من علم ومعرفة وأن تأتي بالسبب والبرهان الذي يخدم فكرتك, ومن حقك أن تدعو الآخرين لينهجوا نهجك لكن لا يحق لك أن تطعن في نوايا من يخالفك ولا أن تتكئ على كثرتك وتهمل مدى صوابها, فإن الكثرة لا تعني دائما الحقيقة, -وطالما نحن في طور التخطيط - ليكن الفيصل بيننا هو رجاحة الحجة وعدل القضية ليس امتلاك القوة, وفي تقديمك لحججك لا تنسى أن تقدر عقلية العالم وتحترم عقلية الجاهل.

فكما أن الطاقة النووية هي سلاح ذو حدين, قد تصنع منها قنبلة نووية تقتل مئات الآلاف في ساعة واحدة أو مفاعل نووي يمد بلدان شاسعة بالطاقة هكذا الإرادة الشعبية قد تزيح ديكتاتورا و تبني أوطانا وأمجادا أو تقضي على الأخضر واليابس إن اسأنا استخدامها .. من فضلك لا تتاجر بإرادة الشعب.


أخيرا .. لا يهمني كثيرا الانتخابات أولا أم الدستور أولا بل مصر أولا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق