الأربعاء، 25 مايو 2011

هكذا عَبَرَتْ الطريق


بينما كنت جالسا في الأتوبيس صباحا منتظرا أن يتحرك أطرقت متأملا زحام البشر الذي كنت جزء منه منذ لحظات و صخب العربات في وسط ميدان رمسيس. وتحت أشعة الشمس الحارقة وقفت على إحدى جانبي الطريق إمرأة عجوز في تقديري تجاوزت السبعين, تملأ التجاعيد وجهها البسيط, قصيرة القامة و قد أحنت السنين ظهرها قليلا, تحمل في يدها شنطة سوداء صغيرة تماما كما اعتدت أن أرى السيدات العجائز.

وقفت للحظات حائرة, قليلة الحيلة كيف ستعبر الطريق الواسع المزدحم, وبينما هي على هذا الحال تقدم نحوها بخطوات واسعة سريعة أمين الشرطة الممشوق القامة ذو النظارة السوداء ومد لها يده باحترام مقدما المساعدة, لم تستطع أن تنظر وجهه بسبب انحناء ظهرها لكنها حركت شفتاها معبرة عن امتنانها وتناولت يده.

سار معها رجل الشرطة خطوة خطوة بهدوء يعبران الطريق وقد اتكأت عليه وهو يشير بيده اليسرى بين الحين والآخر للعربات حتى يعبران ولما وصلا إلى الجانب الآخر مددت يدها ورتبت على ظهره ثم مالت على ذراعه وقبّلتها.

السبت، 21 مايو 2011

الدين لمن و الوطن لمن؟


الدين لله والوطن للجميع.

هكذا سمعناها و تعلمناها و حفظناها عن ظهر قلب و رددناها وإن كان البعض من دعاة الدولة الثيؤقراطية (المترجمة خطأ الدينية) ينادون بأن الدين لله والوطن أيضا لله إلا أني قد نحيت منطقة الخلاف جانبا وفي السطور القادمة لا يهمني الوطن لمن بقدر ما يهمني الدين لمن وهو من المفترض أن جميعنا متفقين عليه.. فالدين لله!.

"الدين لله" كثيرا ما رددتها الألسنة دون القلوب حتى أصبحت قيمتها لا تتعدى قيمة حروفها القليلة وتأثيرها لا يتجاوز طبلة الأذن وفُرِّغَت من محتواها وضلّت مغزاها, فلكي نعيد إليها فحواها كان لزام أن نبحث بروية عن معناها.

"الدين لله" تضع أمامي الآن ثلاثة أسئلة, ليست مُعضلة, ما هو الدين؟ من هو الله؟ وما دلالة حرف الجر " لـ " الذي يربطهما؟
الله لفظ الجلالة كما يقول لسان العرب الله عز وجل وكل ما اتخذ من دونه معبودا. رب الكون ورب البشر. الدين هو مجموعة عقائد يؤمن بها الفرد سواء زمنية أو إسخاتولوجية أو أخروية مصحوبة بفرائض أو طقوس وسلوكيات هي العبادة لذلك لا يكون الدين مجرد مذهب فكري مجرد.

"الدين لله" حرف الجر ل وقفت أمامه مترددا, تُرى ماذا يعني؟ لعله يقصد أن الدين كعقيدة و عبادة يقدَّم لله كقولنا مثلا "الطاعة للملك" أو لعله يقصد أن الدين حقٌ يُعطى لله مثل ما نقول في الشطر الثاني من المقولة ذاتها "الوطن للجميع" أو لعله يقصد أن يشير إلى علاقة انتساب أو نصيب مثل في قولتنا المأثورة "العروسة للعريس" أي العروسة نصيبها العريس أو لعله يقصدها جميعها فكلها تدور في فلك واحد وعلى أي حال هناك ثمة علاقة وثيقة تربط  الـ "لام" ما بين طرفيها.


مازال السؤال قائما: الدين لمن؟ نعم نحن نقول أن الدين لله لكن عمليا هل نعطي الدين لله؟؟ دعنا نرى.

بادر ذهني أولا أن الدين ليس لله بل للسجل المدني, لأني كلما ذهبت لاستخراج بعض الأوراق من السجل يُطلب مني أن أكتب اسمي رباعيا متبوعا ببعض بيانات أخرى يتوسطها ديني, وظننت أنهم يسألوني عن ديني حتى يستطيعوا أن يميزوا بين المواطنين بسهولة على أساس طائفي (إذن الدين ليس للسجل المدني بل للتمييز الطائفي) الأمر الذي نفاه الجميع تقريبا مؤكدين أن السؤال عن الدين ليس للتمييز بل لمجرد جمع معلومات كي تستخدم إحصائيا فيما بعد فعلمت أن الدين ليس للتمييز الطائفي ولا للسجل المدني ولا لله بل الدين للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.

و يتسائل كثيرون كيف إذن ستطبق قوانين الأحوال الشخصية والمواريث والزواج والطلاق دون أن يجدوا ديني مكتوب على البطاقة الشخصية؟ هذا حقا سؤال وجيه إذن فليكن الدين ليس للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بل الدين لتطبيق قانون الأحوال الشخصية.

مرة سَئِمَ أحدهم حديثي وأخيرا صرخ "يعني ازاي واحد مسيحي يبقى رئيس لدولة أغلبها مسلمين؟!"   واحد مسيحي! ورغم أنه قال واحد وليس واحدة إلا أني سأفترض أن السائل لا يهمه النوع لأن في اللغة العربية  كلمة "شخص" لا تؤنث وحتى إن قصد بـ"واحد" أنه ذكر, فليكن, فأنا الآن لست بصدد الحديث عن التمييز الجنسي. وحتى استطيع فهم ما يكمن وراء السؤال حاولت أن اصيغه في قالب عربي صحيح "كيف يصير شخص مسيحي...؟" يصير شخص مسيحي, فعل وفاعل ونعت أي صفة, هنا جاء الدين ليصف الموصوف وهو الشخص, وإن قلت "شخصٌ مسيحيٌ" تكون مبتدأ وخبر وهنا جاء الدين ليكون خبرا لمبتدأه. ومن هنا عرفت أن الدين ليس لتطبيق قانون الأحوال الشخصية بل لتصنيف البشر ولا جديد في هذا فتصنيف البشر ووضعهم في مستوايات سبق وأن فعله أدولف هتلر منذ أقل من مائة عام.

"الواحد المسيحي" أو "الواحد المسلم" أو "الواحد اليهودي" أو "الواحد الأي حاجة" دينه لله ليس لك ولا لي ولا للجميع ولا للدولة ولا للسجل المدني ولا للتمييز الطائفي ولا للاحصائات الرسمية ولا لمحكمة الأسرة ولا لتصنيفه في مرتبته البشرية بل الدين لله .. الدين لله.

وإن كان هذا هو الحال في الحديث عن الشق الأول – الذي نتفق عليه – أن الدين لله فما بالك ان تحدثنا عن الشق الثاني وسألنا الوطن لمن؟؟
أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي يصير فيه الدين للمتعصبين أما الوطن فلا تبكي عليه لأنه ليس بموجود.

الاثنين، 9 مايو 2011

أنا لا أخاف الشيطان



كنت اعتقدُ أني لن أسرق أبداً, لن أنافق أحداً, لن أزني, لن أقتل!, لن ألحد و أنكر ربي أبداً و إن زالت السماء من فوقي و انقشعت الأرض من تحتي .. كنت أتعجب وأتسائل كيف يفعل مرءٌ مثل هذه الأعمال القبيحة؟ ظننتُ أن السارق طمّاع أما أنا فقنوع, المنافق جبان أما أنا فشجاع, أن الزاني داعر أما أنا فعفيف, أن القاتل مستحيل أن يكون بشراً, أن الملحد كافر أما أنا فلديّ من الإيمان ما يحصنني ويحميني من هذه كلها.
أصابتني صاعقة حين تفكّرت أن مَن أراه اليومَ سارقا كان أمسا طاهر اليد, مَن أراهُ اليومَ مُلحِدا كان أمسا مؤمنا بل أقوى مني إيمانا .. ماذا حدث إذاً؟!! وهل يمكن أن أنزلق كما انزلق هؤلاء؟

حسبتُ نفسي ساذجا لمّا ظننتُ أن مَن قتل جاره بسكين ليسرقه قد استلم جواباً مسجل بعلم الوصول يدعوه أن يقتل جاره و يسرقه و في آخر الجواب الإمضاء "شيطانٌ رجيم", بل الآن أنا واثقٌ أن من خرج بيده سلاح ناري وقتل العشرات في الشوارع لم يستلم بريدا إلكترونيا في الصباح يدعوه لفعل هذا بتوقيع "Regards, Lucifer!!"  .. ليس الشيطان بهذا الغباء.
نعم لستُ أعرف الشيطان معرفة شخصية لكني لا أتجنّى عليه, فإن كان بعض البشر مملوئون كذبا وغشا و خداعا و مكرا بما لا يُكال  فما بالك بالشيطان نفسه, - إذا اتفقنا أنه مصدر طاقة الشر في العالم - فأي مكر و أي خداع من الممكن أن يتمتع به الشيطان ذاته؟!

أتحدثُ الآن برأيي الشخصي, لم أكن أتوقع مثلا أن يوجد اثنان على وجه البسيطة يختلفان أن يجزما أن بن لادن إرهابي, لكن ياللعجب, ها هم كثيرون مدافعون عنه! , آلاف من المعجبين والمؤيدين, ناهيك عن ملايين المتعاطفين, كيف هذا؟! فإذا أردتُ اليوم أن أصير إرهابي ماذا عليَّ أن أفعل أكثر من أن أقتل الآلاف غدرا بدون ذنب ثم أفتخر بجريمتي حتى أنال هذا اللقب؟!!
تحدثتُ مع بعض مِن المعجبين به ووجدتُ عندهم اسباب تبدو في بعض الأحيان منطقية, بل أريد أن أخبرك أمرا, فأنا لدي أصدقاء ممن يعتقدون أن ما اسميه أنا زنى حقٌ شرعي لهم بل ضرورة للحياة! ولديهم أيضا أسباب تبدو مقنعة. حتى مَن ألحد إذا سمعت لأسبابه فسوف تبدو لك – تحت بعض الفرضيات – أنها منطقية.

فماذا إذاً! كيف ينتقل شخصٌ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار و العكس؟! وماذا يضمن لي أني لن أقتل شخصا غدا متحججا ببعض الأسباب التي سوف تكون لي وقتها منطقية مقنعا نفسي أني على صواب؟ لا. لن أُجمِّد عقلي متمسكا بموقفي الراهن فلعلي الآن واقفا في مكانٍ خطأ.


يا صديقي من فضلك لا تلومني بل ساعدني ولو بنصيحة, لا تتهمني أني غرقان في بحر الشك الذي لا قرار له, فقط فسّر لي مثلا كيف يحرق إنسان كنيسة و يظُن أنه يقدم خدمة لله أو الوطن؟ كيف يقتل شخصٌ أبرياءً كثيرين ويعترف بهذا ثم يجد آلاف وآلاف يدافعون عنه؟!

أعلمُ أن الشيطان ملآن شرا وهو خدّاع للناس لكني لا أخشاهُ فإن جائني إبليس كما أتخيله و قال لي أقتل فلان أو احرق بيته سوف أرفض قطعا, بل أخشى البشر المخادعين الذين يتملّقون المشاعر و ينافقون نزعاتنا و عواطفنا. لا أهاب الذئاب الشرسة التي في الغابة بل أهاب الذئب الذي دخل المدينة في زي الحملان. لا أخاف الثعالب بل أخاف ثعلباً بَرَزَ في ثياب الواعظينَ فمشى في الأرض يهدي و يسُب الماكرينَ ويقول الحمد لله إله العالمينَ.