الأحد، 31 يوليو 2011

أستاذ محمود جمعة


 لم أرد إهانة أي شخص فمصر بها عشرات الآلاف يحملون نفس الاسم لكني أدين أسلوب بعينه


يدق الجرس القديم في فناء المدرسة بصوته الباعث للأمل ليعلن انتهاء حصة وبدء آخرى, نتنفس الصعداء ونتبادل احاديثنا القصيرة الشيقة ويتشاكس بعض التلاميذ كعادة الأطفال في هذا السن, لكن سرعان ماينتشر الخبر في الفصل بأن الحصة القادمة هي حصة اللغة العربية فتتحول البسمات على وجوهنا لتجهم و بسرعة أفتش عن كراسة العربي في الشنطة بقلق لأتأكد من وجودها ولأطمئن أني اديت واجب الأمس كما أراد الأستاذ, ثم أتأكد مرة أخرى, وأخرى, واشعر بدقات قلبي تتسارع خوفا من أن اكون قد هفوت أو نسيت جزءا من الواجب.

وفي لحظة يُصدم فيها الباب بقوة ويُفتح بعنف ويتقدم استاذ محمود جمعة كقائد يغزو مدينة, فتتحول همهماتنا لصمت مطبق وينقبض قلبي في صدري وننتصب جميعنا واقفين, لا احتراما بل خوفا. يتقدم الاستاذ دون أن ينبث بكلمة واحدة ويجلس على "دكة الاستاذ", يرتب أورقه متجاهلا 45 تلميذا وقفوا انتباها لدخوله. وبعد دقيقة أو اثنتين وبدون أن ينظر إلينا يقول بصوت منخفض يسمعه فقط تلاميذ الصف الأول وبالكاد الثاني:

-          "السلام عليكم".
-          "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته".
ثم يسمح لنا بالجلوس إلا من لم يؤدي واجب الأمس.

يمر أستاذ محمود جمعة بيننا ببطء ثم يتوقف عند الواقف الأول:

-          "معملتش ليه الواجب يا حيوان؟"
-          "والله عملته يا استاذ بس نسيت الكشكول"
فيتجاوزه كأنه لم يسمع شيئا ويشير له بالخروج ثم يتوقف عن الثاني:

-          "وانت كمان اكيد نسيت الكشكول مش كده؟"
-          "لا يا أستاذ الكشكول معايا أهو بس والنعمة يا أستاذ والنعمة أمي تعبت امبارح وودناها المستشفى وملحقتش اعمل الواجب"
-          "طب اطلع اركن برة جنب زميلك"
وهكذا يحدث مع الثالث والرابع وتتوالى المبررات وتأتي الاعتذارات بعضها مصحوبا بالدموع لكن لا قلب لمن تستعطف. والنتيجة, 6 تلاميذ يقفون عند السبورة وقد حُكم على كل منهم بعشر جلدات.

يكمل جولته في الفصل ثم يشير فجأة لأحدنا, فيقف, "ما هي نواصب الفعل المضارع؟"  .. يتهته زميلنا ويتلعثم فيأتيه حكم لا رد له "اطلع اركن برة" ثم يلف 180 درجة بحركة خفيفة ويشير فجأة لتلميذ آخر "جاوب". يصيبه التخبط ويتسائل عن السؤال نفسه, "مش عارف السؤال يا روح أمك! طب اطلع اركن برة", فيشير لآخر فيقف يردد الإجابة بسرعة قبل أن ينساها " أن لن كي .. أن لن كي .." ويتصبب العرق بغزارة من وجه طفل في الحادية عشر من عمره فيأتيه الصوت الساخر "أن لن كي و ايه؟؟ اطلع جنب زمايلك" ثم يشير لآخر فيجيب "أن لن كي حتى لام التعليل" ثم آخر "أن لن كي حتى لام التعليل".

هكذا ينتهي الجزء الأول من حصة اللغة العربية – مرحلة الاصطياد, ثم يبدأ الجزء الثاني "حلقة التعذيب".

أربعة عشر تلميذا حكم على كل منهم بعشر جلدات كلٍ نتيجة لإثم ارتكبه. يطبق استاذ محمود جمعة نظرية "اللي تهيف باتنين" فلا يجد المعاقب مناص من أن يقدم يديه واحدة تلو الآخرى لينال عقابه على تقصيره. يجلس بقية التلاميذ متفرجين على عقاب زملاءهم, يشكر كل واحد ربه أنه لم يصبه الدور ولم يقف اليوم في صف المعاقبين.

-          "معلش يا أستاذ, سماح المرادي بكرة هجيب واجب بكرة وواجب انهاردة".
-          "والنبي يا أستاذ والنبي أمي كانت تعبانة والله العظيم ما بكدب"
لم تجد الدموع صداً ولا التوسلات أذنا صاغية وبدأ تنفيذ الأحكام.

لن أستطيع أبدا أن أنسى يد أستاذ محمود جمعة وهي مرتفعة عاليا تحمل الجلدة السوداء, ولا صوت الصفير الذي تحدثه وهي تشق الهواء, ولا طرقعة اصطدامها بكف صغير لطفل تملكه الذعر. آااااااااه يصرخ الطفل متوجعا ويقفز لأعلى في حركة غير إرادية ثم يتلوّى على الأرض كالدودة وينظر ليده التي صارت حمراء كالدم. يبكي وينوح, يسترق نظره لعيني الأستاذ علّه يجد عفوا لكن لا جدوى. ويأتيه الصوت: "ما انت لو كنت ذاكرت وعملت الواجب ماكنش زمانك قاعد تبكي دلوقتي زي النسوان".

خوف وذعر وبكاء وصراخ يملأ الفصل أما أستاذ محمود جمعة يقف كالمسخ أمام التلاميذ وقد هربت من وجهه كل شفقة و رحمة رافعا يده حاملة الجلدة السوداء استعداد للضربة الثانية.



هذا المشهد كنت أراه بصورة شبه يومية منذ 13 عاما, لصق بذاكرتي ولا يمكن انتزاعه. لست أعلم في تلك الفترة كان قد صدر قانون "منع الضرب" أم لا, هذا القانون الذي رفضه الكثيرون بحجة أنه اضاع هيبة المعلمين!. على أي حال, أستاذ محمود جمعة كان يمثل السلطة الباطشة التي تمسك بعصا القمع لتعاقب كل من يخرج عن إرادتها. وضع أمام تلاميذه طريقين لا ثالث لهما, إما الخنوع أو العقاب, لا يهمه كثيرا رضا التلاميذ أو مستواهم العلمي بقدر ما يمهه احتفاظه بالسلطة المطلقة.

كيف يخرج للمجتمع أناس صالحون مستوون نفسيا قضوا عاما كاملا مع أستاذ كهذا؟ وما الحال إذا كان في المجتمع مئة محمود جمعة أو ألف أو عشرة آلاف؟

لن تتعجب كثيرا, عزيزي, إن حاولت تفسير سلبيات المجتمع الحاضرة في ضوء درايتك بأستاذ كهذا. شخصٌ يخوّن آخر لا لسبب إلا أنه خالفه الرأي, هو شخص فطن على وجود طريقين فقط, إحداهما الحق والآخر الباطل .. لم يعرف يوما قيمة "الحرية" و "الاختيار".

إنسانٌ لا يهزه منظر أم ورضيعها ملقيان على جانب الطريق دون مأوى أو ملبس أو طعام, هو إنسان كان يوما يجلس ساندا ظهره متأملا أستاذه وهو يكيل الضربات لزملاءه في الفصل حتى ماتت في قلبه كل مشاعر إنسانية.

أبٌ قاسي على أبناءه, يضرب زوجته ولا يسمع صراخها.. كان يوما تلميذا ضربه أستاذه حتى صارت يده حمراء كالدم ثم نظر في عينيه فلم يجد رحمه.

و قس على هذا, قس كما تشاء وسوف تدرك جزءا آخر من الصورة .. أنظر حولك وتأمل, هل تذكر هذا  الذي فرح عندما عرف بموت أبرياء؟ قد زُرِع في قلبه أن يكره كل أخر.. هل سمعت عمن طربه صوت ذاك الانفجار؟ قد رنّت جلدة الأستاذ على يده يوما ولم يخلصه أحد.

لست أجد أبلغ من كلامات الإعلامي يسري فودة: أفيقوا يرحمكم الله .. نعم, أفيقوا يرحمكم الله فلن ينصلح حالنا وإن أقررنا مائة قانون بينما العقول هي هي, ضعوا مواد دستورية وأخرى فوق دستورية بل وتحت دستورية لن نتحرك ايضا قيد أنمله ما دامت العقول أصابها العطب وتكاثر عليها الصدأ.

منظومة التعليم في مصر – على أحسن تقدير – فاشلة, بداية من "أوضة الفيران" مرورا "بنسبة الحضور" وصولا لـ"نموذج الإجابة" .. فاشلة على المستويين التربوي والعلمي. فإن أردنا النهوض بأمتنا علينا تطوير مصنع العقول ولنهتم بالتعليم ثم التعليم وإلا فعد نفسك للبكاء على وطنٍ  كان اسمه مصــــــر.


السبت، 16 يوليو 2011

فُكك من أهلك



أحد الشعارات التي استخدمت للحشد لتظاهرات 8 يوليو هو "فكك من أهلك وانزل اعتصم" وعندما تتبعت الهاشتاج #fokakmenahlak  على تويتر وجدت أنه استخدم لأول مرة في الساعات الأولى ليوم 8 يوليو .. لست أعلم من ابتكره أو متى لكني أرى فيه قدرا من العبقرية يستحق أن نقف أمامه ولو قليلا.

أولا: الفعل فَكَكَ وهو عربي فصيح, فَكَكْتُ الشيء: خلَّصته وكلُّ مشتبكين فصَلتَهما فقد فككتهما, لكن استخدامه هنا مصري دارج بحت. فإن تعلّم أحدهم اللغة العربية الكلاسيكية وسمع هذا التعبير "فكك من كذا" لن يفهمه إلا إن كان مصريا أو عاش في مصر. وهذا في رأيي الوجه الأول لعبقرية الشعار فهو موجّه للمصريين فقط.

الوجه الثاني يكمن في إضافة "من أهلك" للشعار, لأنه يخصص فئة عمرية بعينها, فلا يستقيم أن تقول لطفل في الثامنة من عمره مثلا فكك من أهلك لأن ارتباطه بوالديه لا يُفك, ولا يُعقل أن تقول لرجل في الأربعين  فكك من أهلك لأنه أصبح مستقلا عن أهله إلى حد بعيد. هو إذا يخاطب شباب صغير مازال في مرحلة الشد والجذب مع الأهل لانتزاع استقلالهم وهي المرحلة العمرية التي نستطيع أن نعول عليها في تغيير حقيقي نرجوه.

الوجه الثالث للعبقرية هو الربط ما بين الاعتصام والعلاقة بالأهل "فكك من أهلك وانزل اعتصم", فمبتكر الشعار يدرك تماما أن رفض الأهل هو العائق الرئيسي الذي يواجه أي شاب قرر أن يعتصم أو حتى يتظاهر. وإني لعلى اقتناع أن ما حققه الشعب المصري في 18 يوما – وهي فترة قصيرة نسبيا – كان ممكن أن يتحقق في 18 ساعة فقط لو كان الأهالي تركوا لابنائهم و بناتهم حرية المشاركة في الاحتجاجات.



ودتت أن أذكر نفسي بالوصية الخامسة من الوصايا العشر أكرم أباك وأمك وبتعاليم الانجيل للأبناء أن يطيعوا والديهم وأذكر أيضا ما درسته في النصوص من سورة الاسراء بالوالدين احسانا وأن أقول لهما قولا كريما. السؤال الآن: هل شعار فكك من أهلك يتعارض وتلك المباديء الدينية وطبيعة ثقافتنا الشرقية؟؟ .. مش عارف! .. آيوة مش عارف. لكني على يقين أن كل سلطة من دون الله هي محل مراجعة وفحص وكلنا قد نخطيء وقد نصيب ومجتمعنا أعطى الأهل سلطات واسعة - وفي بعض الاحيان مطلقة -  ومن المتفق عليه أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ولذلك لا أرى حرجا في مراجعة الصلاحيات المعطاة للأهل على أبنائهم.

وهنا أريد أيضا أن أتقدم بالشكر لعوض الله (الذي لا أعرفه) صاحب التويتة الملهِمة عن قيمة هذا الشعار الجديد واصفا إياه بأنه بداية الثورة الاجتماعية, وهو كذلك. إلا أنه ليس البداية في حد ذاتها لكنه تجسيد لمفهوم انطلق مع الأيام الأولى للثورة ولم يكن للثورة أن تولد وتتقدم لولاه. أتحدث الآن عن المعنى الأشمل والأوسع للشعار فلا أحصره في المفهوم الضيق للـ"أهل" بل في كل سلطة سخّرت صلاحيتها لتبني حواجز في طريق أهداف وأحلام من يخضعون لها.


نقطة البداية كانت قبل 25 يناير بأيام قلائل عندما انتشرت الدعوات الالكترونية للنزول للشوارع والميادين في اليوم المحدد للاحتجاج وإعلان الرفض لوضع قائم, تلتها فتواى شيوخ أجلاء وقساوسة وأساقفة نقدرهم لا ليحذروا بل ليمنعوا صراحة الشباب من المشاركة. قد يدعي البعض أن هناك ما يسمى بالإسلام السياسي وهو يعطي الحق لرجل الدين استخدام سلطته الدينية سياسيا, الله أعلم. لكني أعلم أنه لا يوجد شيء اسمه "المسيحية السياسية" (سواء كان أم لم يكن, بعد 18 يوم سمعنا تبريرات كثيرة من الجميع لذلك الموقف المتخاذل لكننا لم نسمع اعتذارا واحد. ما أسهل التبرير وما أصعب الاعتذار).. ورغم هذا امتلأت الشوارع يوم 25 وما تلاه بشباب مصر الحر في مشهد لن تنساه مصر, وتلك كانت الشرارة الأولى لـشعار "فكك من أهلك" الذي لم نكن نعرفه بعد.

علامة أخرى على طريق فكك من أهلك ظهرت قبل أن تتمخض به ثورتنا, يوم 27 مايو حينما تجددت الدعوات للتظاهر, كانت المؤسسات الدينية الرسمية استوعبت درس 25 يناير فلم يلقننا أحد وقتها أينبغي أن نشارك أم لا (وهو أمر عظيم ومفرح) لكن جماعة الأخوان لم تكن قد استوعبته بعد فجاء موقفها – مفترضا حسن النية – متخاذلا يفتقر للحنكة السياسية وحاولوا الحشد ضد اليوم لكن شبابهم الحر شارك جموع المصريين في فعاليات اليوم الرائع. وأيضا كاسيناريو 25, علقوا على موقفهم المتخاذل بكثير من التبريرات لكن لم نسمع اعتذارا واحد .. حقا ما أصعب الاعتذار.

شعار فكك من أهلك الذي ولد مع الموجة الثانية للثورة يحمل في طياته ثورة اجتماعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى, ثورة بين جيلين اتسع الفارق بينهما, اكبرهما تربى على الطاعة العمياء, استقى معارفه من الجيل الأكبر. وأصغرهما وجد أمامه العالم مفتوحا, له الحق أن يختار ما يشاء ويعرف ما يشاء ويبحث عن اسباب كل شيء. جيل يهتم بماذا وآخر يبحث عن لماذا.

ولكي لا أبدو متحاملا على جيل أبائي وسلطة الأهل عموما أذكر مثالا عن أحد الأباء الأكثر من رائعين الذين بدأوا اعتصامهم يوم 8 يوليو في ميدان التحرير ( نعم, للآسف, هم ليسوا بلطجية كما يقولون).

سأل أحدهم الأب: انت معتصم يا حاج؟
-          ايوة معتصم.
-          ليه؟
-          عشان أخد حق ابني اللي مات يوم 28 يناير برصاص القناصة.
-          طب يا حاج انت سيبته ليه ينزل يوم 28؟ ما كنتش عارف ان اليوم ده خطر؟
-          أنا للي قولتله انزل.
هنا صمت محاوره قليلا من صعوبة الموقف ثم سأله ثانية:
-          انت مش ندمان انك انت اللي قولتله ينزل؟
فجاء رد الأب سريعا و مفاجئا: لأ مش ندمان
ثم أضاف و قد امتلأت عيناه بالدموع وقلبه بالإيمان وصوته بشجاعة متناهية:
-          وان رجع يوم 25 تاني ورجع ابني صاحي تاني برضه هقوله انزل.

 الدرس الذي بات على جميع السلطات أن تستوعبه, كانت دينية أو أبوية أو سياسية أو عسكرية أو حزبية أو أيديولوجية أنه لا طاقة لكم بالوقوف أمام مطالب الشباب المشروعة, لا تحاولوا الاصطدام بها, ولا تضعوا عوائق وحواجز في طريقها و إلا دُهِست دهسا, احترموا عقول الشباب, ودعونا نعمل معا دون اقصاء أو تعالي.


وعندما يجلس التاريخ ليكتب حكاية ثورة مصر, اقترح عليه أن يختار عنوان فصلها الأول "الشعب يريد", ذلك اللحن الذي صار أغنية, يتغنى بها كل شعب عربي يبحث عن الحرية, صرخ بها الشعب ليعلن للعالم أن له صوت يجب أن يُسمع و له إرادة يحب أن تُحترم. و للفصل الثاني عنوان "فكك من أهلك" مشيرا لثورة اجتماعية  و عقد اجتماعي جديد ينظم العلاقة من سلطة تحترم أبنائها وأبناء يطيعونها في الحق.


يقول المفكر محمد النويهي إبان "ثورة" 1952  أن أي ثورة سياسية لم يتبعها ثورة اجتماعية وفكرية محكوم عليها مقدما بالفشل. هذا وقد صنعنا الثورة السياسية ونصنع الثورة الاجتماعية.. متى نصنع الثورة الفكرية؟


الاثنين، 20 يونيو 2011

قيم مجتمعية مشوهة; يوم التدوين ضد التحرش الجنسي


نسقط في خطأ حقيقي اذا اختزلنا قضية التحرش الجنسي في مصر في عبارات مثل "ولد قليل ادب"  أو  "بنت مش متربية"  إذ نبلغ من السذاجة محاولة اختزال العنف الطائفي في شجار بين عائلتين, او نزيف الاسفلت في اختلال عجلة القيادة. بل هي مشكلة أكثر عمقا وتأصلا, تضرب بجذورها في موروثنا الثقافي والاجتماعي خاصة القريب. أو كما يوصِّفها د\جلال أمين في كتابه "ماذا حدث للمصريين" بأن المجتمع المصري لم يكن مستعد للانفتاح السريع على الثقافة الغربية و الخليجية بعد ثورة النفط الأمر الذي أدى إلى اختلال في الموازين الأخلاقية للمجتمع.

القضية إذن عميقة الجذور, ومحاولة حلّها بعيدا عن اسبابها هي محاولة ناجحة لإضاعة الوقت. المشكلة في رأيي تتمركز حول النظرة دونية التي تتبع المرأة في المجتمعات الأقل تقدما (تلك هي اللفظة الأفضل), تلك النظرة ناتجة عن ترسبات ثقافية استقرت في ذاكرة المجتمع وهذا الموروث والرواسب الثقافية خلقت ما يسمى بمجتمع الهيمنة الذكورية Male-Dominant Society  الذي يسمح بالتمييز الصارخ ضد المرأة بداية من استبعادها من أي مراكز قيادية في المجتمع سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ... إلخ مرورا بكل أشكال التمييز الجنسي ضد المرأة وصولا لخلق بيئة تستبيح انتهاك حرمة الأنثى جنسيا فيما يسمى التحرش الجنسي أو العنف الجنداري.


دور المجتمع في دعم التحرش الجنسي:
لم يأخذ المجتمع موقفها حازما ضد التحرش الجنسي بالمرأة ولا حتى وقف موقف المحايد بل انحاز للرجل عن طريق خلق مجموعة من القيم الأخلاقية المشوهة التي يتجرعها الذكور (وأحيانا الإناث أيضاً !) بين الحين والآخر لتبرير أي هجوم أو انتقاص من شأن المرأة أو انتهاكا لحرمتها. ومن بين تلك القيم سأتحدث عن اثنتين, ثقافة لوم الضحية ومنطق استحلال الحرام.

لكن دعني أولا أسرد موقفا - غالبا قد مر عليك أيضا - يبرز تلك القيم المشوهة.
سؤال على الفيسبوك "في رأيك ما هو الحل الامثل للمعاكسات؟" واقترح السؤال اجابتين لا ثالث لهما وعليك ان تختار اجابة واحدة, الاولى هي ان الولاد تحترم نفسها والثانية البنات تلبس محتشم. وقد جاءت الاجابة تتجاوز العشرة آلاف كاسحة حاسمة  للاختيار الثاني. لم اهتم كثيرا بالسؤال ولا بسطحية وركاكة الاجابات المقترحة لأني دائما مستعد ان افترض ان شخصا ما أخطأ فكلنا خطائون, ما لفت نظري هو التوجه الغالب للمجيبين الذي وضع ثقل المشكلة على عاتق المرأة وحدها بالرغم أنها الضحية.

ثقافة لوم الضحية:
كلنا يحب أن يكون في موقف القوي لكن واقع الحياة يخبرنا أن الحق لا يكون الأقوى دائما لأن هناك معايير أخرى للقوة. فبدلا من أن ينحاز الشخص للحق ثم يدافع عنه في موقف الضعيف, ينحاز للقوي ثم يبتكر من الأسباب ما يثبت به ان ما انحاز إليه كان الحق. وهذا واضحا جليا في المثال السابق, ففي التحرش الجنسي بالمرأة يكون الذكر هو المعتدي والأنثى المتعدى عليه. لذلك انحاز حكم الأغلبية ناحية القوي (المعتدي) رغم أن الضحية كانت الأنثى التي وقع عليها الضرر.
يذكرني هذا بأحداث الثورة المصرية فبعد أن كانت وسائل الإعلام تقدم فروض الولاء والطاعة للنظام الحاكم وتصب جام غضبها على شباب الثائرين انقلبت بين ليلة وضحاها لتمجدهم وتحقّر من النظام السابق. بالطبع لم ينقلب الحق باطلا والباطل حقا في ليلة, بل هي انحازت بصورة عمياء للطرف الأقوى, وذلك بالتأكيد لا يخلو من الكثير من النفاق.

منطق استحلال الحرام :
أذكر مشهد من مسلسل الأرض الذي كان يذاع قديما, عندما ذهب الفلاح البسيط لقسم الشرطة يشكو للضابط من موظف التقاوي التابع للوحدة الزراعية الذي نصب عليه, وعندما استدعى الضابط ذلك الموظف وواجهه بالاتهام أجابه الأخير بعد ضحكة طويلة هازئة "واحد مغفل ما أسرقوش؟! ده حتى مايجينيش نوم". هذا بالظبط منطق كثير ممن صوتوا لصالح ان البنت تلبس محتشم, فهم على استعداد أن يبرروا جريمتهم (او جريمة غيرهم) الأخلاقية بأن لبس الفتاة أثارهم.
السؤال: هل لبس الفتاة وإن كان مثيرا يحل انتهاك حرمتها؟ هل لبس الفتاة مبرر كافي أن يجعلك تخرج عن طور أدميتك مندفعا بشهوة حيوانية لتلبي رغبة جنسية ألحت عليك وقتها؟ إذا رأيت نقودا تسقط من أحد في الشارع هل يبرر هذا أن تأخذ النقود لنفسك؟؟ لا, بل تلك النقود حرام عليك سواء في جيب الرجل أو سقطت منه كذلك حرمة المرأة حرام عليك سواء لبست محتشما أو مثيرا. و إن افترضنا ان لبسها المثير حرام  فهذا أيضا لا يحل لك حراما ولا يحل لك أن نتنهك حرمتها بفعل أو قول أو حتى بنظرة أو إيحاء.



المجتمع "المتدين" والتحرش الجنسي:
تزداد مشكلة التحرش الجنسي تعقيدا في مجتمع محافظ ( أو هكذا يدعي)  لأنه يلزم الفتاة بألا تبيح بما تعرضت له من مضايقات وإلا انتقدها المجتمع كما ذكرت سالفا. وتزداد تعقيدا على تعقيد في مجتمع متدين (أو هكذا يدعي – أيضا!) لأنه يرفض شكلا وموضوعا الإقرار بتلك المشكلة لما فيها من تنافي صارخ مع قيم الدين من عفة وطهارة يدعي المتدينون أنها السائدة.
لم يسعفني الوقت للبحث عن احصاءات عن معدلات جريمة التحرش الجنسي في المجتمعات التي نسميها "محافظة" و الأخرى"المتحررة" لكن يمكنك بنفسك البحث على google trends  , لا أعلم إن كنت ستتعجب إذا وجدت أن مصر تحتل المركز الثالث عالميا  في معدل البحث عن كلمة Sex  على سبيل المثال. لم توجد جامعة مصرية تحتل مركزا من الـ 1000 الأولى على مستوى العالم, لم يستطع منتخب مصر القومي لكرة القدم الوصول لنهائيات كأس العالم منذ 22 عالما, لكن ها هي مصر تحصل على المركز الثالث عالميا وعلى مدار سنين في البحث عن "الجنس" على الانترنت,,, كم أنا حزين عليك يا بلادي لا لأنك تعانين هكذا بل لأنك تنكرين وجود المشكلة من الأساس,,, ستظلي تعانين حتى تعترفي بما فيك من ضعف.

هذا فضلا عن تحيز الخطاب الديني في المجتمع بما يتماشي مع طبيعته الذكورية, فأنا أذهب للكنائس كثيرا وأسمع خطب شيوخ أكثر في التلفزيون والراديو وغيره. كثيرا ما سمعت دعاوى للبنات بالاحتشام ولبس ما يليق وهذا أمر محمود, هذا غير الملصقات التي تشوه الجدران في الشوارع والمواصلات التي تحث على الحشمة كطريق للجنة في حين أن نادرا ما سمعت موعظة أو خطبة لرجل دين تدعو الفتيان لغض البصر وعفة النظر, ولم أرى أبدا ملصقا في شارع يدعو الشباب بالاتزام الأدب كطريق للجنة.

الخطاب الديني لم يتحيز للرجل فحسب بل تجني على المرأة في أبشع الصور وبذلك يلقى هوى أيضا في مجتمع سيطرت عليه النزعة الذكورية. قرأت لأحد الكتاب تعبيرا مؤلم ومخزي لكنه للأسف واقعي حين قال متحدثا عن أحدهم "عقله بين رجليه" واصفا بأسلوب عبقري النظرة الدونية التي يتم تكريسها ضد المرأة على أنها جسد فقط. متناسيا أنها كيان انساني يفرح ويحزن, يحب ويكره, ينفعل ويهدأ, نسي كل هذا و تذكر فقط أنها جسد خُلق لمتعة الرجل. وبعد أن سمعت هذا لم أتعجب تشبيه أحد أصدقائي للمرأة بأنها قطعة حلوى يجب تغطيتها وإلا تراكم عليها الذباب L .



دور المرأة في قضية التحرش الجنسي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.
ليست الحرية هبى تعطى بل حق ينتزع.
لم يضع حق وراءه مطالب.

كلها عبارات رددناها كثيرا وهي قريبة لقلبي لما تحمل من معنى إيجابي فهي تخدم فكرة أن من له حق عليه أن يسعى إليه. و حيث أن المتضرر الأول من التحرش الجنسي هي المرأة وجب عليها أن تسعى إليه وإلا ضاع, وكم من حقوق ضاعت لم يسأل عنها أصحابها. اليوم تتعرض المرأة للتحرش والإيذاء الجنسي وتصمت, وهكذا ستظل المرأة تعاني.
 كيف قبلن النساء بالمكانة الدونية التي وضعهن فيها المجتمع؟ كيف رضت المرأة ان يكون لها كوتة في مجلس الشعب (آسف في التعبير) كالكلب الذي رضى بالفتات الذي ألقي له من مائدة أربابه؟ كيف ترضى المرأة أن يخصص لها عربة في المترو مكرسة للفكرة ذاتها؟ هي من حقها أن تقف حيثما شائت وتلبس ما تريد وعلى المجتمع أن يحترمها ويقدرها كما يقدر الرجل شاء المنحرفون أم أبوا.
لن يضيع حق المرأة إن طالبت به, فقد طالبت به صفية زغلول وهدى شعرواي وغيرهن وانتزعن حقوقهن من المجتمع انتزاعا. فما بال النساء اليوم رضين بالمهانة؟؟؟


الجمعة، 17 يونيو 2011

ماذا يحدث لو "الشمس خبطت في الجَمَر" ؟


بمناسبة خسوف القمر الأخير.. كلنا يعرف أن تلك الظاهرة تحدث نتيجة تلاقي الشمس والأرض والقمر على خط مستقم على الترتيب مما ينتج عنه أن أشعة الشمس تُحجب عن القمر بواسطة الأرض فنرى جزء منه أو كله قد أظلم. وكسوف الشمس كذلك يحدث عندما تتلاقى الشمس والقمر والأرض على خط مستقيم على الترتيب فيحجب القمر أشعة الشمس عن الأرض فتختفي عنا الشمس جزئيا أو كليا أو حلقيا .. لم أتفلسف!, فدرس الكسوف والخسوف كان مقررا علينا في منهج العلوم في الصف الثاني الإعدادي.





لكن هل درس العلوم هذا كان يكفي؟؟؟
أتذكر في صيف 1998 أخذنا أبي لقضاء بضعة أيام من الأجازة الصيفية ببورسعيد, لم أكن قضيت ربيعي الثاني عشر بعد, ومثلي مثل أطفال سني كنت مفعما بالحيوية أعشق الأماكن الواسعة والجري واللهو أينما وجدت. لكن تصادف لسوء الحظ (أو هكذا حسبت) أن أعلن التلفزيون عن حدوث كسوفا للشمس تراه مصر بعد يومين, وبدأت قنوات التلفزيون القليلة تستضيف ضيوفا يتحدثون عن الكسوف المرتقب. أتذكر تلك النبرة التخويفية التي كان يتكلم بها ضيوف التلفزيون الرسمي وحديثهم عن الأشعة الفوتونية الضارة التي تصاحب الكسوف وأن من سوف يتجرأ وينظر للشمس أثناء الكسوف سوف يصاب بالعمى لا قدر الله وملخص الرسالة أن يلتزم الجميع بيوتهم ولا يخرجوا منها ويدعوا الله أن يمر ذاك اليوم بسلام.

لا أنكر أن الخوف أصابني لبرهة بعد جرعة تحذيرات وتخويفات لكن أبي جلس معنا وبين لنا أن ما يقوله التلفزيون هذيان وشرح لنا سبب الكسوف وأبعاده حتى اطمأن قلبي. وفي ليلة الكسوف بينما كانت السيارات تجوب شوارع بورسعيد محذرة السكان والمصطافين من الخروج للشوارع غدا كنا نحن في غرفة الفندق المتواضع مشغولين بالبحث عن قطعة زجاج لنسودها بشمعة لنراقب الكسوف في اليوم التالي.

استقيظنا في الصباح الساعة السادسة كالعادة وتناولنا إفطارنا وجهزنا أمتعتنا وخرجنا للقاء شاطيء البحر الجميل, بدت المدينة يومها مدينة أشباح, خلت من كل حركة وصوت اللهم إلا بعض القطط التي كانت تجري هنا وهناك كأنما أصابها الذعر هي أيضا وصوت موتور سيارتنا. وصلنا الشاطيء العام الذي اعتدنا ارتياده وقد بدا المشهد غريبا حقا فهذا الشاطيء كان يعج دوما بالمصطافين أما اليوم فهو خالي حتى من حارس الشاطيء. نصبنا شمسيتين وجمعنا بعض الكارسي وجلسنا تحتيهما. كان اليوم رائعا وهادئا, الشاطيء يجلس وقورا بينما البحر يداعبه بأمواج خفيفة متتابعة والسماء ترسل رياحا حلوة بين الحين والآخر والشمس وقفت متلألأه في كبد السماء تراقب هذا المشهد الجميل الذي أبدعه الخالق.

قضيتُ واخوتي يوما مخلتفا, ذرعنا الشاطيء بطوله جيئة وذهابا, نصرخ بأعلى أصواتنا فتختلط بصوت الأمواج غير مبالين بأحد فلا أحد ههنا ليسمعنا ثم ندخل البحر ونغوص على مقربة من الشاطيء ثم نلعب قليلا على الرمال ونبحث عن الأصداف متبارين من يجمع أكبر صدفة. وعندما بدأ الكسوف دعانا أبي لنراقبه من خلال قطعة الزجاج السوداء التي أحضرناها معنا وألتقطنا صورا تذكارية ونحن وحدنا على الشاطيء الطويل مازلت احتفظ بها إلى الآن بالتأكيد.

عادت الحياة في اليوم التالي لطبيعتها, لم يختلف إلا حديث الناس فكان موضوع كسوف البارحة هو حديث الساعة, وعندما وفقنا بالسيارة في الصباح أمام إحدى الأكشاك لشراء مأكولات سريعة سمعنا المرأة في الكشك تقول لأحد زبائنها "اصل احنا كان خوفنا ايه ؟ للشمس تخبط في الجمر يحصل انفجار". ضحكنا في السيارة كثيرا من قول تلك المرأة وكنت ولازلت أكرر مقولتها هذه على أصدقائي على أنها مزحة ثم أقول لهم: من الجهل ما قتل;... من يدري, لعل تلك المرأة لم تنل قسط من التعليم للتعرف على الأجرام السماوية أو لتدرك ان المسافة بين الأرض والشمس تبلغ 390 ضعف المسافة بين الأرض والقمر, من السهل أن أفترض هذا لكن لا استطيع أن أسلم بأن مدينة بورسعيد بكاملها لم يوجد فيها إنسان درس الكسوف والخسوف في المرحلة الإعدادية!. لا, بل هو الإعلام الضال المضلل الذي بث الرعب في قلوب المصريين حتى جعل الملايين من الشعب يتصرفون في يومٍ كجهلاء, من نال منهم قدر من العلم ومن لم ينل.

الإعلام كان و – للأسف – لا يزال يبث الرعب والخوف في قلوبنا كلما عقدنا عزمنا على عمل جليل, ليس الإعلام فحسب بل كثير من المسؤولين والقادة والسياسيين وغيرهم, وبالطبع تذكر مثلي "تامر بتاع غمرة" كمثال للاستخفاف بالعقول و نشر الذعر الكاذب حتى خيل للبعض أن ميدان التحرير به ديناصورات وكائنات فضائية عجيبة تلتهم البشر! .

ليخيفونا قالوا أن من أشعل الثورة عناصر خارجية, ليخيفونا قالوا أن الثوار يأكلون الكنتاكي!, ليخيفونا قالوا نشطائنا ماسونيين, ليخيفونا قالوا بعد مبارك الفوضى, ليخيفونا قالوا إسرائيل تستعد لغزو سيناء, ليخيفونا قالوا إما الأمن أو الحرية, ليخيفونا قالوا إما الكرامة أو الخبز, ليخيفونا قالوا فتنة طائفية, ليخيفونا قالوا إقتصاد ينهار, ليخيفونا قالوا جمعة وقيعة, ليخيفونا قالوا جاسوسا قاد الثورة, ليخيفونا قالوا وقالوا وسيقولوا ويقولوا كل ما هو كذب وخداع وتضليل.

علمتني الحياة أني عندما لم أخف من مهاترات التلفزيون حول الكسوف قضيت يوم ولا أروع على شاطيء بورسعيد.
عندما لم أخف من تهديدات الشرطة البائدة شاركت في جمعة الغضب 28 يناير وسوف أظل طول عمري أفخر بأني شاركت في هذا اليوم العظيم الذي سقط فيه مئات الشهداء ممن أحبوا بلادهم بحق.
عندما لم أخف من التخويفات بالبلطجية والوقيعة قضيت يوما رائعا في الميدان تحت قطرات المطر الخفيف بعيدا عن الشعارات والايدولوجيات والصفقات السياسية وسط أناس أحبوا مصر.

الخوف طبيعة فينا لكن لا تدعهم يتلاعبون بك بل أغلب التخويف بإيمانك وشجاعتك وعقلك.



السبت، 11 يونيو 2011

هيروشيما 25 يناير وضلالة "نعم" الكبرى


في الـسادس من أغسطس 1945 انطلقت القاذفة الأمريكية إينولا جاي فوق سماء مدينة هيروشيما اليابانية و قذفتها بقنبلة نووية في حدث هو الأول من نوعه في التاريخ و قد سموا القنبلة آنذاك "الولد الصغير" في إشارة إلى ما قد يأتي بعدها. لم تمض ثلاثة أيام و اليابان لم تفق بعد من هول الفاجعة إذ شقّت مقاتلة أمريكية أخرى عباب مدينة ناجازاكي في التاسع من نفس الشهر وألقت القنبلة الثانية "الرجل السمين" التي على إثرها أعلنت اليابان انسحابها بعد أيام قليلة وهكذا انتهت المعركة الأخيرة في الحرب العالمية الثانية وأسدل الستار على فصل هو الأسوأ في تاريخ البشرية حيث قُتل عشرات الملايين ونزفت أنهار الدماء نتيجة أطماع هذا وكبرياء ذاك.


أسدل الستار وانتهى فصل لكن المسرحية لم تنتهي, إذ يبدأ الفصل التالي على حقيقة أنه من يملك هذا السلاح الفتاك سيكون لديه القدرة أن ينتصر في أي حروب مستقبلية, ورغم توقيع إتفاقات سلام وما شابه إلا أن سباق التسلح النووي لم ينته, أما عنوان تلك المرحلة هو لا يهم كم هي قضيتك عادلة بل ما تمتلك من قوة. القوة التي تجعل أعداءك يخضعون و يذعنون خشية وإن كانوا أصحاب حق.


ولعل وجود بعض التشابه (مع الفارق) بين أحداث الحرب العالمية الثانية المذكوره إيجازا عاليه وأحداث الثورة المصرية هو ما نبهني لمراجعتها علُّ فيها نجد موعظة وعبرة.
ففي الخامس والعشرين من يناير 2011 خرج جموع المصريين في مشهد هو الأول من نوعه و انتشروا في شوارع القاهرة والمحافظات وما أن وصلوا إلى ميدان التحرير حتى أطلقوا القذيفة الأولى "الشعب يريد إسقاط النظام" معبرين عن إرادة الشعب شفاهة في إشارة لما قد يحدث بعدها. لم تمض أيضا أيام ثلاثة والنظام مازال متخبط لم يدرك حجم مصيبته إلا وخرجت جحافل المصريين وملئوا الشوارع والميادين مرة أخرى في الثامن والعشرين من يناير و أطلقوا القذيفة الثانية "جمعة الغضب".


 لم يصمد النظام القمعي أمام القذائف المصرية لست ساعات بل انهار سريعا أمام القوة النووية الضاربة "إرادة الشعب" التي على إثرها أعلن النظام انسحابه بعد أيام قليلة وانتهت المعركة وأسدل الستار على فصل هو الأسوأ في تاريخ مصر حيث قُتل المئات غدرا وفاضت السجون بالأبرياء وسقط نظام استحل أموال الفقراء, طرب لصراخ المظلومين, استلذ آنّات المقهورين وأسكرته الدماء, تجبر وتوحش بسبب أطماع هذا وكبرياء ذاك.


يبدأ الفصل الثاني وقد أدرك الجميع مقدار تلك القوة الجديدة "إرادة الشعب" التي قهرت ما لم يستطع أحد الدنو منه, وبدأ سباق التسلح وللأسف .. غاب عن تلك الفترة قوة الحجة وعدل القضية بل صارت الغلبة لمن يمتلك القدر الأكبر من تلك القوة الجديدة. و كان من الطبيعي في مثل هذا الجو أن يبرز ما اسموه بـالخطاب الاستقطابي والاستقصائي, أما الأول فهو محاولة كسب أكبر عدد ممكن من المؤيدين إما عن طريق الخطاب الديني أو الترهيبي أو الايديولوجي أما الثاني فهو محاولة نبذ وإلصاق التهم بالمخالفين عن طريق التكفير والتخوين وتحقير.


أكتب الآن مشيرا إلى جدل بدأ, ومن الواضح أنه سوف يستمر وستزداد حدته في الأيام القادمة عنوانه "الدستور أولا أم الانتخابات أولا" في محاولة لفهم أبعاده وأساليبه وتحليله في ضوء ما سبق ذكره من رؤية واستنتاجات, ومعطيات وضع راهن بتنا فيه جميعا.

فمؤيدي الدستور أولا لهم اسبابهم مثل: 
  • أن الدستور هو قواعد البناء, وغير منطقي أن نبني الأدوار العليا قبل الأساس!.
  • أن السلطة الدستورية تعلو على سلطة البرلمان والرئيس فيكف سنكلف مجلس الشعب والشورى بتشكيل جمعية تأسيس دستورية قد تلغي مجلس الشورى نفسه أو نسبة العمال والفلاحين. و غيرها من الأسباب التي تحترم وتبدو جيدة.


مؤيدي الانتخابات أولا لهم اسبابهم أيضا مثل: 
  • أن انتخاب جمعية تأسيس الدستور في الوقت الراهن أمر صعبا بل مستحيلا أن يتفق كل الشعب على أعضاء تلك اللجنة.
  • أن اختيار اللجنة من قبل المجلس العسكري هو أمر غير مقبول أيضا لأن الشعب نفسه (أو ممثليه) هم من لهم الحق في الاختيار. وغيرها الأسباب التي تحترم بل وتبدو وجيهه ومنطقية.


لكن ليس بكل الاسباب يليق الاحترام! .. وقبل أن أخوض في هذا الموضوع دعونا نتذكر معا المشهد الأول من الفصل الثاني حين اختار المجلس العسكري (منفردا) لجنة لتعديل الدستور وأعلن أن يوم 19 مارس سوف يتم طرح تلك التعديلات للاستفتاء الشعبي, كان الاستفاء له ما له وعليه ما عليه فقد مارس المصريون وبشراهه حقهم في المشاركة في الحياة السياسة وشهدنا إقبالا غير مسبوق على عمل سياسي عام لكن كان عليه الكثير أيضا فقد شاهدنا أول محاولة استقطاب واقصاء مفزعة بعد الثورة قام بها مريدو نعم ولا كلاهما في محاولات تضليل وتخويف وشحن ديني وعاطفي وتلاعب بمشاعر المتدينين وتأثير وتوجيه مباشر للجهلاء, الأمر الذي جعل أحدهم يتجاسر ويقول جهارا دون حياء أن الشعب قال نعم للدين ..


على أي حال, فقد جاءت نتيجة الاستفاء بقبول تلك التعديلات بنسبة 77% ولزم علينا جيمعا أن نحترم "إرادة الشعب" ونرضى بالديمقراطية التي ارتضيناها لأنفسنا.

الواقع هو أنه لم نتمكن من احترام إرادة الشعب لأكثر من 11 يوما! ففي يوم 30 مارس أصدر إعلان دستوري جديد يتضمن 63 مادة منهم الـ9 مواد التي استفتا عليها الشعب, أي أن تم احترام إرادة الشعب بنسبة (63 / 9 * 100) = 14.28% , هذا فضلا عن التناقضات الواضحة بين نص بعض مواد الإعلان الدستوري وما تم الاستفتاء عليه مثل المادة 40 من الإعلان الدستوري و المادة 93 التي استفتينا عليها وغيرها مما يقلل نسبة الاحترام لإرادة الشعب بدرجة أكبر.

أعود الآن لتلك الأسباب المنوه عنها سالفا التي يروج لها البعض وهي لا تستحق الاحترام, فأن يقول قائل أن مريدي الدستور أولا يريدون الالتفاف على مطالب الشعب ولا يحترمون إرادته, عفوا, بل هي احترام لإرادته و حماية لها .. عد واقرأ المادة 189 من نص التعديلات الدستورية التي وافقت عليها والمادة 60 من الإعلان الدستوري التي لم توافق عليها واحكم بنفسك, فأنى أرى أن السيناريو الذي يدافع عنه البعض بحجة أنه إرادة الشعب (حسب المادة 60) هو أبعد كل البعد عما ارتضاه الشعب ووافق عليه. وحجة هؤلاء ما هي إلا ارتماء في احضان إرادة شعب لم توجد, واستقطاب زائف واستقواء بإرادة لم تحترم.

عزيزي من تخالفني الرأي \ من حقك أن تتبنى ما تراه صحيحا وأن تدافع عنه بكل ما أوتيت من علم ومعرفة وأن تأتي بالسبب والبرهان الذي يخدم فكرتك, ومن حقك أن تدعو الآخرين لينهجوا نهجك لكن لا يحق لك أن تطعن في نوايا من يخالفك ولا أن تتكئ على كثرتك وتهمل مدى صوابها, فإن الكثرة لا تعني دائما الحقيقة, -وطالما نحن في طور التخطيط - ليكن الفيصل بيننا هو رجاحة الحجة وعدل القضية ليس امتلاك القوة, وفي تقديمك لحججك لا تنسى أن تقدر عقلية العالم وتحترم عقلية الجاهل.

فكما أن الطاقة النووية هي سلاح ذو حدين, قد تصنع منها قنبلة نووية تقتل مئات الآلاف في ساعة واحدة أو مفاعل نووي يمد بلدان شاسعة بالطاقة هكذا الإرادة الشعبية قد تزيح ديكتاتورا و تبني أوطانا وأمجادا أو تقضي على الأخضر واليابس إن اسأنا استخدامها .. من فضلك لا تتاجر بإرادة الشعب.


أخيرا .. لا يهمني كثيرا الانتخابات أولا أم الدستور أولا بل مصر أولا




الأحد، 5 يونيو 2011

معضلة الجواز المصرية



هدخل في الموضوع علطول بس في الأول خلينا نتفق على حاجتين:
1-      ان كل المواطنين سواء أمام القانون يعني محدش احسن من حد عشان لونه أو جنسه أو دينه.
2-      ان من حق كل متدين ان يلتزم بتعاليم دينه يعني محدش يجبره انه يخالفه.
جميل, طالما اتفقنا على النقطتين دول يبقى نبدأ نتكلم.

من ناحية فيه مشكلة فيه مشكلة فمش هحط راسي في التراب واقول كله تمام والحياة لونها بمبي والناس مبسوطة ولا هقول هي كده واللي مش عاجبه يشرب من البحر. لأ  فيه مشكلة, وكلنا اتلسعنا منها سواء في حكاية "اختي" كاميليا أو فلانة أو علانة وغيرها من الحكايات اللي مستنية الوقت المناسب عشان تفرقع في وشنا تاني وتالت.

المشكلة إجمالا في كلمتين "احنا مختلفين" وتفصيلا ان احنا مسلمين ومسيحين, متدينين وغير متدينيين, محافظين ومتحررين عايشين على ارض واحده اسمها مصر, يبقى قدامنا حل من الاتنين يا إما نحترم بعض يا إما نولع في بعض. وبما إن محدش يحب يتولع فيه ولا في بيته, إذا عملا بمبدأ "عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك" هنختار ان احنا نحترم بعض .. تمام

المشكلة يا سيدي ان المسيحيين (أو الأخوة الأقباط أو أهل الذمة سميهم زي ما تحب) بيقولوا ان محدش مسيحي أو مسيحية يتجوز من برة, ده كمان الارثوذكس بيقولوا انه ما ينفعش يتم الجواز من حد غير أرثوذكسي, طيب .. انت بقى زعلان ليه؟ ياعم أنا مش زعلان ولا حاجة هم أحرار اصبر عليّ بس.
والأخوة المسلمين بيقولوا (ومليش دعوة بكلام صبحي صالح) ان ينفع المسلم يتجوز غير مسلمة لكن المسلمة ما تتجوزش غير مسلم .. طيب وأنت ايه اللي مضايقك؟ مش عاجبك اخبط دماغك في الحيط.. يا عم أنا مش متضايق ولا حاجة كل واحد حر يعمل اللي عايزه .. طيب طالما انت مش زعلان ولا متضايق قارفنا ليه على الصبح؟  اقولك,
 المشكلة ان احنا كده كسرنا القاعدة الأولى اللي اتفقنا عليها ان كلنا سواء أمام القانون!,,, تؤ تؤ ستوب هنا اقف عند حدك, لما الدين يتعارض مع القانون هنفذ الدين لأنه أوامر ربنا أمال اشمعنا مازعلتش واتحمقت لما البابا شنودة قال مش هنفذ القانون وعمل دولة داخل دولة؟,,, هو اساسا كان فيه دولة عشان يبقى جواها دولة؟!! ثم ان مفيش تعارض ولا حاجة مابين القانون والدين, ديه كلها خزعبلات بيضحكوا علينا بيها عشان نضرب في بعض وخلاص,,, تقصد ايه يعني؟,,, هقولك بس خليني الاول اعرض عليك سيناريو وأحب اعرف رأيك فيه.

دلوقتي فيه واحد ابوه وامه مسيحيين فبالصدفة البحتة طلع مسيحي هو كمان, حب بنت واتجوزها في الكنيسة زي ما كل الناس بتعمل وراح الكاهن وثق الجواز في المحكمة وكل حاجة كانت ماشية قشطة لحد ما الشيطان دخل بينهم واتخانقوا والبنت عايزه تطلق, راحت للكنيسة قالولها احنا مش بنطلق يا بنتي اغزي الشيطان وروحي صالحي جوزك, بس هي كانت مخنوقة منه والحياة بينهم بقت مستحيل .. تعمل ايه تعمل ايه .. جماعة ولاد حلال قالولها تغيري الملة والمحكمة تحكملك بالطلاق, البنت ما تفرقش معاها الملة ولا تعرف ايه هي اساسا, هي بس مضت هنا وهنا واديت قرشين للمحامي وبعد شهرين جبلها حكم طلاق من المحكمة .. بعد سنة جت تتجوز تاني, الكنيسة قالتلها يا بنتي ما ينفعش نجوزك وانتي على ذمة راجل, البنت قالتلهم انا معايا حكم طلاق حتى بصوا اهو, قالولها ملناش دعوة ده طلاق محكمة مش طلاق كنيسة.. البنت راحت لنفس المحامي واديته قرشين تاني, شهرين وجابلها حكم بحقها في الجواز .. الكنيسة قالت ما نقدرش نجوزك تاني ده ضد تعاليم الانجيل .. بس يا سيدي الجرايد بقى فضلت تكتب عن ان الكنيسة بتناطح الدولة و البنت فضلت تلف على برامج التوك شو تقول اريد حلا وكل واحد نفسه في جنازة شبع لطم والحمد لله.

فيه حاجة غلط, متفقين . بس يا ترى ايه هي؟
  • يا ترى ديه غلطة الولد و البنت عشان اتخانقوا؟ طب ايه يعني ما كل الناس بتتخانق.
  • يا ترى ديه غلطة ولاد الحلال اللي حبوا يساعدوا البنت الغلبانة؟ لأ هم كانوا عايزيين يساعدوها بس.
  • يا ترى ديه غلطة البنت عشان غيرت ملتها؟ ما قلتلك هي اساسا متعرفش ملّة يعني ايه ولا تفرق معاها.
  • ولا هي غلطة الكنيسة عشان مارضيتش تطلقها في الأول ومارضيتش تجوزها بعد كده؟ لأ. الكنيسة عندها نصوص واضحة في الانجيل تخليها تعمل كده واذا عملت غير كده يبقى لموأخذه ملهاش لزمة.
  • ولا هي غلطة المحامي أو القاضي ؟ لأ برضة. المحامي رفع دعوة حسب القانون والمحكمة حكمت حسب القانون .. يعني عداهم العيب وأزح.
  • ولا هي غلطة الشيطان عشان دخل في النص؟؟؟!! .. مش عارف



و ممكن برضة نعيد انتاج مشكلة شبيهه إذا غيرنا معتقدات اصحاب القصة وبدلنا كاهن الكنيسة بمأذون شرعي و اضفنا و حذفنا بعض التفاصيل. و نقدر بسهولة نوصل لموقف معقد في قضايا الأحوال الشخصية وياما بنشوف سواء في البرامج أو الأفلام أوالمسلسلات أو في الشارع أو أصحابنا ومعارفنا وجيرانا عن مشاكل جواز وطلاق وعيال ونَسَب وحضانة وبنت مش عارفه تعيش مع ابوها ولا أمها وواد مش عارف يبقى على دين ابوه ولا دين امه (سوري بس القافية حكمت) ووجع راس ومشاكل متلعبكة لا تعرف تلوم مين ولا تقول مين غلطان لأن في احيان كتيرة ما بيكونش فيه حد غلطان!.



أمال المشكلة فين يا عم زهقتنا؟
دلوقتي الجواز له شقان, شق ديني وشق مدني. الشق الديني بيتمم على أساس الشرع عشان الاتنين يبقوا متجوزين قدام ربنا, والشق المدني ضروري برضة عشان يكونوا متجوزين قدام الدولة (اصل ما ينفعش اي واحد وواحدة يمشوا مع بعض ويقولك اصل ديه مراتي حسب الشرع, طب اثبت يا حبيبي) فاللي بيحصل في مصر ان الراجل والست بيتجوزوا على حسب الشرع على يد كاهن أو مأذون, وهو المُوَكَّل من الدولة وله الحق في توثيق عقود الجواز في المحكمة.

وعلاقة من النوع ده ما بين الشق الديني والمدني بنسميها في الكمبيوتر والبرمجة بما اني راجل بتاع برمجة
"Tight Coupling"
وهي خطيئة لا تغتفر يرتكبها مبرمج الكمبيوتر ترتقي لدرجة قلة الأدب. الخطيئة ديه (وهي احدى الكبائر في البرمجة) معناها ان يكون فيه كيانات مستقلة لكن واقعيا بتعتمد على بعضها, فالكيانات ديه المفروض انها تعمل بتزامن شديد مع بعضها و إلا النظام كله يقع و أي تعديل في واحد فيهم هيعطل التاني و ممكن يبوظ السيستم كله.
و هو ده بالظبط اللي حاصل في موضوع الجواز في مصر, جواز ديني وجواز مدني اللي يتجوز هنا يتجوز هنا واللي يطلق هنا يطلق هنا, وراجل الدين بيحكم بشريعته الدينية و القاضي بيحكم بقانون الدولة و اللي مفعوص في النص هي البنت الغلبانة اللي فوق اللي مش عارفه تروح فين ولا تيجي منين.



عارفك دلوقتي بتقول في سرك "تاهت ولقيناها" القاضي يحكم بشرع الدين و مافيش احسن من شرع ربنا ونحل المشكلة من اساسها,,, اقولك سوري ما ينفعش,,, ما ينفعش ليه؟؟؟
ما ينفعش علشان احنا اتفقنا من الاول ان من حق كل متدين انه يلتزم بشرع دينه. مش كده؟. فالقاضي هيحكم بشرع أنهي دين؟ هتقولي خلاص يبقى مافيش شق مدني للجواز والقاضي يحكم لكل واحد حسب شريعته. للاسف برضة ما ينفعش عشان احنا اتفقنا من الاول ان كلنا سواء أمام القانون لازم يكون فيه قانون واحد متساوي على كل المصريين و ماتنساش ان احنا مختلفين.


هات من الاخر, يعني انت عايز نلغي الشق الديني و نخلي الشق المدني بس عشان حضرتك ترتاح,,, أنا قلت كده؟!! لأ برضة ما ينفعش عشان احنا اتفقنا ان محدش يقدر يجبرك انك تخالف شرع دينك.

و كمان بدل ما تقعد تحكم عليّ من خلال نيّتي وتشتم فيّ ممكن تفكر معايا في حل منطقي يرضي كل الأطراف و يحترم اتفقاتنا و يعتبر اختلافتنا. أي اقتراحات؟