السبت، 18 أغسطس 2012

حرية الفرد Vs سُلطة الدولة



لا أحاول شرح الفرق بين الانقسام الميتوزي والميوزي في الخلية الحيوانية, ولا تصوير الأميبا المعوية في أنثى طائر اللقلق, بل هو رسم توضيحي لتبسيط العلاقة بين حرية الفرد وسلطة الدولة في المجتمع.

النقاط السوداء هي الأفراد, واللون الأبيض هو مساحة الحرية الشخصية المتاحة لكل فرد, والأزرق هو سُلطة الدولة.

من الوهلة الأولى يتضح لكل زي عقل أن هناك علاقة عكسية تربط بين حرية الأفراد وسلطة الدولة, فكلما زادت سُلطة الدولة في المجتمع قلّت حرية الأفراد, والعكس صحيح.

وهنا يتبادر إلى الذهن مجموعة من الاسئلة البديهية, القديمة قدم وجود تجمعات البشر: ما هي حدود حرية الفرد؟ وإلى أي مدى مسموح للدولة التدخل في شؤون الأفراد؟ وما هو المعامل الأمثل لتنظيم العلاقة بين الإرادتين بحيث لا ينزلق المجتمع إلى هوة الفوضى إذا طغت حرية الأفراد  ولا يختنق تحت نير القمع إذا طغت سُلطة الدولة؟


القاعدة الذهبية:

يُروى – والعهدة على الراوي- أن فرنسيا وإنجليزيا كانا مسافرين متجاورين على متن قطار, وبينما كان الفرنسي مسترخيا, فتح الإنجليزي ذراعيه على أشدهما ليقرأ خبرا ما في الجريدة فصدم أنف الفرنسي, فإستاء الفرنسي وقال له: إحذر! فقد صدمت أنفي. فأجاب الإنجليزي غير مباليا: أنا حر. قال له الفرنسي: حريتك تنتهي عند طرف أنفي.


المجتمع الحر:

يُعظّم من قيمة الفرد, فيكفـُـل له مساحة من الحرية الشخصية الاختيارية يتحرك بداخلها كيفما اتفق, أقول اختيارية لأن للفرد الحق في التخلي عنها متى شاء,  وتضائل سُلطة الدولة على الفرد.

وحيث أن للكل فرد في المجتمع الحر, الحق في الاختيار, فتجد فيه التنوّع مبني على قناعات وليس عن قسر أو جبر. فالمتدين تديّن لأنه أحب هذا الطريق, وطالب الجامعة يعشق دراسته لانه اختارها ولم يجبره عليها تنسيق. وتجد اليساري واليميني والوسطي والعلماني, والعالم والجاهل, والمتمدن والفلاح, والراهب الورع والمستهتر, كلٌ اختار طريقه ويتحمل مسؤولية خياره.

ولأن الحرية الشخصية مكفولة ومحمية, يصير لكل فرد الحق في التفكير وإعمال العقل والانتقاد دون أن يخشى إرهاب هذا أو تكفير ذاك. وحيثما وجِدَت حرية الفكر, وجِدَ الإبداع, ومن الإبداع ينشأ الابتكار, فتزدهر الفنون والآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية, ويظهر النوابغ والعلماء والفلاسفة الذين يقودون ركب الحضارة الإنسانية.

على النقيد التام من هذا يمكث المجتمع القمعي, صامتا خجولا لا يعلو صوته إلا شاتما حاقدا أو متشدقا بما ليس له, لا يُسمع فيه إلا ضجيج الصراع الداخلي.


المجتمع القمعي:

لمّا كانت القيمى العظمى في المجتمع الحر هي الفرد, كان حجر الزاوية في المجتمع القعمي هو الحاكم.

الحاكم ونظام حكمه, له يخضع الجميع وفي فلكه يدور الجميع, يُسبَّح بحمده, تتبعه عدسات الكاميرات أينما ذهب, صوره تتصدر يوميا صفحات الجرائد, اسمه هو الأول في نشرة وشريط الأخبار.

هذا الحاكم لابد أن يبسط نفوذه ويُثبّت أساسات كرسيه, حتى تدوم له أبهة السُلطة ونعيم الحكم. وفيما هو يبسط نفوذه تتآكل حرية الأفراد وتتوحّش وتتغوّل سلطات الدولة. وسلطان الدولة له عدة صور, أشهرها السلطان الأمني والديني, الأول يعتمد على الإرهاب المادي للأفراد, من سجن واعتقال وضبط واحضار إلى آخره من الأساليب القمعية للدولة الأمنية. وتعمل الدولة جاهدة على مليء عقول مواطنيها بسخافات عن أن أمنهم مهدد دائما وأعداء الوطن متربصون للإجهاز علينا.

اما الثاني فيعتمد على الإرهاب المعنوي للأفراد, من تكفير وتحريم وإقصاء وتشويه إلى آخره من الأساليب القمعية للدولة الدينية. ولا تؤول الدولة جهدا في مليء عقول مواطنيها بتراهات عن أن دينهم يخوض حربا مقدسة ضد أعداء الله ولا سبيل لنصرة الدين إلا الخضوع التام والسمع والطاعة.

وحين يضيق الخناق على الأفراد, يُسيّر المجتمع ولا يُخيّر, فيتطلب التفكير شجاعة, ويُسمى النقد تطاول, الأفكار الجديدة تصير خدعة, والخروج عن المألوف بدعة. ولا تسمع عن الحرية إلا في خُطب المسؤولين. وتفرض الدولة على أفرادها قوالب ثابتة يعيشون فيها: أنماط التديّن جاهزة ومن يخرج عنها زنديق. أنماط التعليم مُعدّة سلفا, من يدرس الطب ناجح ومن يدرس الزراعة فاشل. زيُّ واحد للحشمة من لا تلتزم به فاجرة. بل ويصل تبجُّح الدولة أحيانا إلى سن قوانين تتدخل في خصوصات الفرد بصورة فجة ..  إلى آخره من أساليب "تنميط المجتمع" التي تُسهّل على الحاكم التحكم في الأفراد كما يحلو له.

 فتتعطل العقول ويعتليها الصدأ, ويصير المجتمع أشبه بقطيع من الماعز, يتحرك بإشارة ويتوقف بإشارة, يهلل لكلمة ويغضب لصورة, يتجمع إذا سمع المزمار ويتفرق إذا رأى العصا. لا يرجو من الحياة الدنيا إلا مأكله وملبسه وأمنه ـ ومَن تيسّر حاله متعته – في حياة لا يضاهيها رتابة إلا حياة دودة القز داخل الشرنقة.

فيتخلف المجتمع عن ركب الحضارة, ويصير عالة على الإنسانية, يأكل ما يزرعه الآخرون, يلبس ما ينسجه الآخرون, يستعمل ما يصنعه الآخرون, ويندهش إذا ما رأى ما أبدعه الآخرون.


وطلب الأفراد من الدولة إتاحة لهم مساحة للحرية الشخصية تبلغ من السذاجة حد الفكاهة. تشبه سذاجة ظهور مفكرين ليبراليين على شاشة التلفاز يطلبون من الاخوان عدم الاستحواذ على مقاعد البرلمان. أو سذاجة وزراء خارجية العرب حين يجلسون على كراسيهم الجلدية ذات المكابس الهيدروليكية داخل القاعات المكيفة يطلبون من الولايات المتحدة مغادرة العراق.
الحقوق لا تُطلب بل تنتزع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق