الخميس، 24 يناير 2013

يوم من عمره .. قصة قصيرة


- يا راجل فذ قوم الساعة سبعة وربع مش عاوزه اتأخر عالشغل.
قام محمود من نومه مفزوعا وهرول للمطبخ بخطى سريعة بعينين يعلوهما الغماص, ملأ البراد حتى نصفه بالماء واشعل النار تحته على اوجها ووضع ملعقتين كبيرتين من السكر وملعقة شاي في الكوب ووقف منتظرا.

لّما دخل عليها محمود ممسكا بكوب الشاي بين اطراف بيجامته كانت قد انتهت من ارتداء ملابسها. برشفات قصيرة وسريعة ومتقطعه اجهزت على الشاي الساخن في زمن قياسي. وقالت بصوت حاسم وهي خارجة:
- انهاردة الخميس هرجع بدري.
ثم انرزع الباب.

 * * *

- كنت هنسى انهاردة الخميس الاول من الشهر ميعاد صرف المعاشات!
قالها محمود فجأة بصوتٍ عالٍ كأنه يُحَدِّث أحدا.

محطة الاتوبيس مزدحمة كالعادة.بعد انتظار دام حوالي النصف ساعة  وصل 791 بشرطة. جلس محمود بجسده الصغير متقوقعا بجوار النافذة. صعدت للاتوبيس إمرأة بدينة, جالت عينيها على الراكبين بنظره محترفة,  ثم حددت ضحيتها, جلست بجوار محمود وقد احتلت حوالي ثلاث ارباع المقعد.

بغير خجلٍ ولا حياءٍ أخذت تتفحص تفاصيل جسده ثم اخرجت سيجارة وبدأت تلتهمها.
- أهرام ومصري يوم السابع حرية وعدالة والحوادث.
أوقفت البائعة الصغيرة واعطتها جنيها. كان محمود يخرج انفه من الشباك مفضلا العوادم على رائحة التبغ المحروق التي ملأت الاتوبيس. بنظره خاطفه غير مقصودة لمح الجريدة بجواره. صورة تحتل الصفحة الاولى لشاب في حوالي الـعشرين من عمره لا يرتدي إلا سرواله الداخلي, حُجِبت عيناه بشريطة سوداء ومكتوب تحتها بالبنط العريض: "اربع سيدات يتناوبن على اغتصاب فتى تحت تأثير البنج" .. ياللهول!

* * *

أخد محمود دوره في الطابور وبعد انتظار تلاه انتظار وصل أخيرا للشباك. نساء يعملن حينا ويتحادثن أحيانا. رسم على وجهه ابتسامة يتصنع بها التودد وقال للموظفة: السلامُ عليكم. رمقته بنظره فيها احتقار لم تخفيه واجابته بغلاظة:
- ورقك يا استاذ انت جاي تخلص مصلحتك ولا تحكي.
وما أن أخذت منه الاوراق وبدأت تنظر فيها, وتنفس محمود الصعداء حتى رن صوتٌ اسكت كل صوتٍ في المكتب:
- كيرياليسون كيرياليسون صلاة الساعة السادسة من النهار المبارك أقدمها للمسيح ملكي وإلهي وأرجوه أن يغفر لي خطاياي.

تركت كل الموظفات أعمالهن غير عابئات بطوابير المنتظرات والمنتظرين. واصطففن في أحد اركان المكتب وبدأن يؤدين شعائر الصلاة التي يحرصن على تأيدتها كل يومٍ في موعدها. والموظفون أيضا دخلوا أحد الغرف واغلقوا الباب ليصلوا. فبولس الرسول قال "واظبوا على صلاواتكم" وفي المزمور يقول داود "سبع مرات كل يوم سبحتك على أحكام عدلك"

* * *

أخيرا انهى محمود مهمته بنجاح وقبض المعاش, حقا مبلغ ضئيل لكنه يعينهم على مصاعب الحياة. وابتدأت رحلة العودة التي لم تكن أقل مشقة من رحلة الذهاب.

انحشر في وسط اتوبيس مزدحم للغاية حتى كاد يختنق, الجو الحار وشمس يوليو الحارقة حولت الاتوبيس لما يشبه أفران الصهر العالي. يحاول محمود بقدر الامكان تجنُب اللمسات المقصودة وغير المقصودة لجسده من هنا ومن هناك. إحدى الراكبات يزعق تليفونها بما يبدو انه ترنيمة لا يستطيع ان يفسر من كلماتها شيئا.
الطريق شبه متوقف, خناقة في وسط الشارع بين سائقتا ميكروباص: مش تفتحي عينك يا ** ابوكي.
حاول محمود كثيرا تفسير العلاقة بين أعضاء الأب التناسلية والإهانة المتعمدة لكنه فشل.

صعد للاتوبيس شاب قوي أبيض البشرة مفتول العضلات, اتجهت إليه كل الأنظار, وقفت سيدة يبدو على وجهها الطيبة وتركت مقعدها لذاك الشاب. جاءت جلسته بجوار راهبة ترتدي صليب ضخم على صدرها, استاءت الراهبة جدا لجلوس ذلك الشاب بجوارها أخذت تستغفر وتتلو صلوات سريعة سمع محمود منها: ويل لمن تأتي بواسطته العثرات.

صوت الأجراس يعلو ويعلو في سماء المدينة حتى لم يعد أحدٌ قادر على سماع أحدٍ , إنها ليست نواقيس إعلان الحرب, بل هي أجراس الكنائس تعلن ميعاد صلاة الساعة التاسعة.
الآن الثالثة والنص! لابد أنها عادت للمنزل!.

* * *

عاد محمود للمنزل منهك القوى تماما, جسديا ونفسيا, وما ان دخل حتى استقبلته عاصفة من الغضب. وصرخت فيه بصوت حاد ينذر بالشر, عالي سمعه القاصي والداني: 
كنت فين يا راجل لحد دلوقتي؟ عليا الطلاق لو حصل ورجعت تاني من الشغل وملقتش الغدا جاهز لكون مبيتاك عند أمك.

هناك تعليقان (2):

  1. shoft b2a el bnat shyla fi nafsha we sakta ezay.. bs e7na mesh hanskot tani :) w han3mel sawra bkiadet Hoda sh3rawi 2sdi Bola Shokry netalb b72el mar2a fl mogtm3 el masry.. ya ya3esh

    ردحذف
  2. مو فهمنا من القصه شي

    ردحذف