الأحد، 3 أبريل 2011

نهلك جميعا أو نحيا جميعا

طاف رجال في جنبات المعبد القديم محذرين سكانه أن الوضع بات خطيرا, تشققت الجدران السميكة, هوت أعمدة الارتكاز. اندفعت الجماهير مكسّرة المتاريس النحاسية, متجاوزة الأبواب العالية التي لم يروا ما خلفها قط إلا في روايات أجدادهم. ازداد سقوط الأحجار كثافة في إشارة إلى قرب النهاية. أحجار تهوي على الرؤوس تصيب من تصيب و تصرع من تصرع. لم يعد هناك وقتا للجدل للعقيم. دويُّ شديد صمًّ الآذان حدث حين ترنّح العمود العظيم الذي في الوسط سقط بعدها سقف المعبد العجوز.. حمدا لله,  قد نجا الجميع اللهم إلا من فضّل البقاء في المعبد متعبدا لأصنامه, سقطت عليهم الأحجار العتيقة, سحقت عظامهم سحقا.

تراطمت المشاعر و تباينت, فرح و حزن, غناء و بكاء, كان البعض سعيدا, ولم لا؟ فقد تنفسوا هواء الحرية لأول مرة, و البعض تعيسا لما فقدوه من ممتلكات و ثروات, و آخرين نجوا بأجسادهم أما أرواحهم فكانت مدفونة هناك تحت الأنقاض.

خرج أهل المدينة "جريء" و "لبيب" و "لئيم" و "خائر" و "حائر" يسيرون في طريق لا يعلمون ملامحه لكنهم يعلمون غايته. مال النهار و سدل الليل أستاره. وضع حائر رأسه على حجر ليغفو قليلا بعد يوم شاق و تأمل النجوم المتلألئة في السماء, شعر بارتياح لكن عندما آلمه ظهره تذكر سريره الناعم الذي تركه و تمنى لو كان مستلقيا عليه. آنذاك كان جريء ممسكا بالشعله ليضيء المكان و لبيب كان يدرس الموقع الذي استقروا فيه حتى يحدد الطريق الذي سوف يسلكونه غدا. أما خائر فقد دخل الخيمة منهوك القوى و قضى هناك ليلته تحت الغطاء.

و مع أول شعاع للصباح أتى لئيم و في يده جوال, استقبله جريء و سأله: أين كنت طوال الليل و لماذا لم تبت معنا؟ فأجابه لئيم بفظاظة "ليس شأنك" و صدمه بجسمه الضخم و تجاوزه. كان اليوم الثاني أصعب من الأول. الشمس حاره و الأرض جافة و الطريق مازال طويلا. وقع خائر على الرمال من شدة الإعياء و العطش, شعر أنه على حافة الموت, قال بصوت ضعيف متقطع :
- ألم أخبركم أن الموت هو مصيرنا؟ يا ليتنا متنا في المعبد على الأقل وجدنا من يعتني بجثثنا.
 أثر كلامه على حائر تأثير سم الحية وأحس بقشعريرة اليأس تدب في كل جسمه.
- خاطب لبيب لئيم قائلا: هلا حملت خائر صديقنا؟ فهو لا يقوى على السير و أنت قوي البنيان. فاعتذر لئيم بأنه مشغول بأعمال أخرى أكثر أهمية.
- قال لبيب: حسنا حسنا سوف أحمله انا, لا ينبغى أن نترك خائر ههنا وحيدا و نسير نحن.
- فتتدخل جريء مقاطعا و قد تلاقت عيناه مع لئيم: لا يا لبيب أنت رجل شيخ, أنا سوف أحمل خائر على كتفي حتى يسترد عافيته.

توارت الشمس خلف الجبال و استردت آخر شعاع لها. كانت الليلة مقمرة لكن الضباب كان كثيفا. ومع حلول الظلام اختفى لئيم كعادته. صمتت كل الأصوات إلا حفيف الأشجار و فحيح الحيات.
- ما هذا الصوت ما هذا الصوت؟!! تسائل حائر
- أجاب لبيب بصوت متزن "هو عواء الذئاب"

لم يلبث خائر أن سمع تلك الكلمات حتى صار كالمجنون, ألقى بنفسه على أرض و أخذ يذري الرمال على رأسه "قد هلكنا قد هلكنا لا محالة لم يعد لدينا طعام و الخيام أخذتها الرياح و الوحوش الجائعة حولنا تنتظر الانقضاض.. آااه أين المعبد أين المعبد القديم, أسواره كانت تحمينا من الذئاب, كنت أجد كل يوم طعامي, قد أهلكتموني, نعم أنت يا لبيب اهلكتنا بغبائك و أنت يا جريء اهلكتنا برعونتك لقد انتهينا و متنا شر ميتة"
تركه لبيب حتى هدأ و كف عويله ثم بدأ يشرح له كيف وجب عليهم الخروج من ذلك المعبد البغيض و أكد له أنه وفقا للحسابات ما هي إلا أيام قليلة حتى يصلوا إلى الأرض التي خرجوا يطلبونها, أما جريء فقد قضى ليله كله يحرس رفقائه من وحوش البرية وطيور الظلام.

عاد لئيم في اليوم التالي و كان جواله مليئا عن آخره تلك المرة. سأله أصدقاءه, "أين كنت طوال الليل" ؟
- كنت أجمع بعض المقتنيات التي قد نحتاجها لاحقا.
- قال لبيب: جوالك مليء الذهب و الجواهر, أليس كذلك؟
- صر لئيم على أسنانه و قال نعم معي ذهب.
- خاطبه لبيب معنفا: كيف تتركنا طول الليل و نحن كدنا نموت أمس جراء الذئاب والوحوش؟ أنت متمرس في شؤون البرية و الجبال كان أجدر بك أن تتعاون معنا بدلا من جمع المجوهرات.
- أجاب لئيم في مكر: هل تظنوني أجمع الذهب لنفسي؟!! لا لا قد أخطأتوا الظن بي. ثم رسم ضحكة خبيثة على شفتيه و لمعت عينيه و قال:  أنا أجمع النقود لخيرنا جميعا, هي نقودنا كلنا.
ثم تركهم و ذهب.

ساروا هم الخمسة في اليوم التالي و قد خيم عليهم الصمت. تعرقل حائر في جزع شجرة و سقط على وجهه. أضائت الرعود السماء و صوت البروق المرعب ملأ الآذان. ظهرت الأشباح و تراقصت أمام أعينهم . ها هو وجه الشيطان القبيح يبدو مبتهجا وسط الأمطار الغزيرة. زلزال عنيف ضرب الأرض تحت أقدامهم و شقها نصفين. شريط ماء يحول بينهم و بين غايتهم. اتسع الشريط و اتسع حتى صار نهر, عبوره يبدو مستحيلا... "لا لا ليس مستحيلا" هكذا صرخ جريء, "ها هو زورق صغير هناك أرسلته العناية الإلهية لنجدتنا" أنطلقوا جيمعا نحوه, سبقهم لئيم و ألقى جواله الثقيل داخل الزورق أولا ثم قفز هو, تبعه جريء ثم لبيب فحائر و لما وضع خائر قدمه داخل الزورق بدأت المياه تتسلل إلى داخله, سحبها ثم حاول ثانية لكن لا جدوى. نظر جميعهم إلى لئيم و إلى جواله. فصاح فيهم غاضبا: "ما بالكم تنظرون إلى جوالي؟! لا لن ألقيه أبدا"
- "الزورق صغيرا لا يحملنا نحن و جوالك لابد أن تلقه في الماء" قال لبيب.
- لا. لن يحدث. خائر هو من سيُغرق الزورق هو من لابد أن يلقى في الماء.
استشاط جريء حنقا من أنانية لئيم و قفز فوقه و تلاكم الاثنان و تصارعا. فوقف لبيب على رأس الزورق و صاح فيهم "يكفــــــــــــــي". ألتفتت كل الأنظار نحوه ففتح فاه و قال لهم: " قد كنا جميعا رهن الموت داخل المعبد القديم و قد نجونا بأعجوبة والآن, إما أن نهلك جميعا أو نحيا جميعا" .

هناك 4 تعليقات:

  1. Why I feel that I read A Disney Story :D , although it is long but I liked it specially b4 sleeping.. go on Bola u got the talent :-)

    ردحذف
  2. Thank you Rasha, I think u felt that coz of the wolf picture :D

    ردحذف
  3. بس هما مش مقتنعين انهم هيغرقوا معا, لئيم متخيل إن الحياة هتكون افضل بدون خائر وافضل نرميه. واعتقد إن جريء شايف إن مفيش مكان لحائر. وحائر شايف إن جريء هيضيعهم. وخائر عايز يروح اصلا.كل منهم شايف إنه لو لزم الامر نرمي كل من لا يفيد في ابقاء المركب طافيا الان من وجهه نظره الشخصية البحتة دون احترام أو فهم الأخر. أما بعدين فهي حاجة مش بيفكر فيها أي حد منهما إلا الي حد ما لبيب.

    ردحذف