الجمعة، 4 فبراير 2011

فوقوا بقى فوقوااااا .. خلينا نفكر بالعقل


تلك الكلمات وجهت إليّ و لغيري عشرات و عشرات المرات في الأيام القليلة الأخيرة. و أنا أشكر كل اصدقائي الذين قالوا لي ان أفيق و أن أفكر بالعقل, فعملا بنصيحتهم جلست محاولا أن أفكر بالعقل.... 

جلست لأتتبع الأحداث الجارية منذ بدايتها حتى يومنا هذا. الحكاية بدأت من شهور من ساعة ما سمعنا عن شاب اسكندراني اسمه خالد سعيد اتقتل على يد رجال شرطة و اتهمته الشرطة أو بعض وسائل الإعلام انه حشاش و رد سجون و أنه بلع لفافة بانجو و مات باسفكسيا الخنق, أنا عن نفسي صدمت لما شفت صورته قبل الحادثة و بعدها و قلت لنفسي زي ما قال كتير غيري أنه حتى لو كان حشاش و مجرم ما ينفعش اللي حصل فيه ده بأي حال من الأحوال و قررت ان اتعاطف معاه بأقل جهد ممكن عن طريق إني دوست "like"  على الصفحة بتاعته على الفيسبوك.

مر الحدث كما يمر أي حدث في حياتي. و بدأت الأحداث المختلفة تتوالى. سمعنا عن زوجة كاهن قيل إنها غيرت دينها, الله أعلم صح ولا غلط الموضوع ما يفرقش معايا لا كتير و لا قليل لكن ردود الفعل كانت غريبة, سمعت عن ناس خرجت في مظاهرات بتتهم الكنيسة بالخيانة و آخرين يتهمون الثائرين بالإرهاب و ناس بتتهم الدولة بالتواطؤ و عدم القدرة أو الرغبة في حل الأزمة. و توالت الأحداث. سمعت عن صدام بين مسيحيين في العمرانية و بين قوات الشرطة أدى لمقتل واحد أو اتنين و إصابة عشرات, و خرجت التحليلات البعض يتهم بناة الكنيسة بالخروج عن القانون و البعض يتهم الدولة بالإضطهاد و معاملة المسيحيين كمواطنين من الدرجة التانية . و توالت الأحداث. سمعت عن غلق بعض القنوات الفضائية و البعض أتهم الدولة بمحايلة المسيحيين و سمعت عن اعتقالات واسعة ما بين ناشطين سياسيين. سمعت و شفت انتخابات اتزورت كده عيني عينك منغير كسوف ولا اختشى رغم الوعود المسبقة بأمانتها و نزاهتها توقعت رد فعل صارم من جهة الدولة لكن مر الحدث كما مر ما قبله من أحداث... و توالت الأحداث. انفجار أمام كنيسة في الاسكندرية راح ضحيته عشرات, مندوب شرطة يطلق نار على مسافرين في قطر, مواطن يقتل على يد أمن الدولة عشان بيحققه معاه و توالت الأحداث و توالت و ليس وقتي ولا ذاكرتي يسمحان أن أذكرها جميعها ولا وقتك القاريء أيضا.

شفت دعوة على الانترنت بتقول اننا نخرج يوم الجمعة عشان نقول لأ للظلم. اتغيرت بعد كده و بقت يوم 25 يناير .. المهم . أنا اتحمست للدعوة لأني اشعر بظلم و أرثي لحال بلدي و ما وصلت له من تدهور فكري و ثقافي و اجتماعي و اقتصادي مؤخرا. قلت هشارك, رغم إني كنت خايف. و وجدت كثير من النقد سواء من أصحابي أو عيلتي بيقولولي "أنت عبيط؟" "انت عايز تترفد من الشغل؟" أو عبارات سخرية من نوعية "يالا يا عم الثورجي" أو ضغوط نفسية من هنا و من هناك تدعوني للتعقل و عدم الخروج لأن النتيجة غير معلومة.

و بالرغم من إني مش من هواة أخذ المخاطرة إلا إني قررت إني أشارك لأني كنت مقتنع بالفكرة تماما. كلمت أصحابي و اتقابلنا في مكان ما في وقت ما و قعدنا ندور على أي مظاهرة في أي حتة نمشي فيها شوية و خلاص. لكن بصراحة الموضوع كان شكله فكسان على آخر. مئات من جنود الأمن المركزي كانوا يملؤون الشوارع حيث ذهبنا و لم نجد أي أثر لأي مظاهرة تحدث أو ممكن أن تحدث. بدل ما اليوم يضيع على الفاضي قررنا نتمشى شوية في الشارع و نحكي, بعد شوية لقينا حسبة كده 30 أو 40 واحد ماسكين أعلام مصر و بيهتفوا. فرحت لما عرفت أن الخروجة و الترتيب اللي عملناه ما كانش آخرته شوية تم ساعات دول جاتني فيهم اتصالات كتيرة من البيت تدعوني إلى العودة فورا و اتصالات و رسايل كتير من أصحابي تدعونني للتعقل و ترك المظاهرات عشان الدنيا شكلها دخلت في جد.. تحت الضغوط متتالية قررت أخيرا أن أترك المظاهرات و أرجع. 

رجعت البيت و تابعت على التلفزيون, كان من الواضح إن جهاز الشرطة المصري العملاق وجد أن المظاهرات دي شوية لعب عيال هيلعبوا شوية و يمشوا لكن مع حلول ساعات الليل و تزايد عدد المتظاهرين في ميدان التحرير قررت الشرطة أنها تدي علقة سخنة لشوية العيال دول عشان ما يعملوش شقاوة تاني و فضتهم بالقوة. فوجئت تاني يوم في الشغل بسخرية من عدد من زمالائي في العمل يطلقون عليّ "عم الثورجي" رغم إني لا ثورجي ولا حاجة أنا بس نزلت الشارع مع الشباب عشان أقول لأ للظلم. المهم .

عدى يومين كمان و قررت أني أنزل يوم الجمعة. واحد صاحبي كلمني و قالي تعالى ننزل وافقت على الدعوة رغم الصعوبات و المضايقات الشديدة التي واجهتنا من عيلتي و بعض اصحابي, محذرين إياي بالعنف المتوقع من أجهزة الشرطة.. بصراحة .. أنا خفت بالذات بعد ما التليفونات اتقطعت و النت قطع عرفت إن العملية جد مش لعب عيال و ممكن تقلب بجد. و نزلت رغم دعوات أصحابي و أهلي بالتروي و "التفكير بالعقل" .. مش هحكي تفاصيل يوم الجمعة لكن يكفي أن يوم الجمعة شفت مصر جديدة ما شفتهاش قبل كده شفت ناس عمري ما تخيلت أنهم مصريين ناس بتساعد بعض و قلبها على بعض . شفت جهاز شرطة عنيف جدا عمري ما تخيلت أن ممكن الشرطة تعامل الناس بالقسوة دي. شفت ناس بتقع و تتعور و بتضرب. بنات و ستات بتصوت رجال يشعرون بالقهر و ما أدراك ما هو قهر الرجال لعدم قدرتهم أن يتجمعوا و يهتفوا هتافا واحدا يجمعهم. عدت مع صديقي إلى بيته في الليل و قد سمعت في الأخبار أن هناك عشرات من القتلى و مئات من المصابين في مواجهات اليوم. شكرت ربنا إني لسة صاحي لكن تألمت كثيرا عندما رأيت مصريين يقتلون مصريين.

أشتد اقتناعي بالفكرة و المبدأ فكيف يموت أبرياء عزل بأيدي "عبد المأمور" بينما من أمرهم يجلس هناك في مكتبه المكيف لعله يرتشف الشاي و يدلي بتصريحات تلفزيونية إنه تعامل بحزم مع مجموعة من الخارجين عن القانون و الخونة. 

يوم الجمعة انهارت قوى جهاز الشرطة المصري ليس منهكا من ملاحقة اللصوص لكن منهكا من قتل المواطنين المصريين و ضربهم و اعتقالهم. اعتقدت إن الدولة لا مفر أمامها من الاستماع للشعب لكني اكتشفت بعد ساعات إني كنت ساذج, فلقد خرجت عصابات تتعدي على البيوت و المحال التجارية تسرقها و تنهبها لترويع المصريين. لا أعلم أهم يتبعون جهاز الشرطة أم لا لكني اعلم أن الشرطة المصرية كان أحرى بها أن تلاحق هؤلاء المجرمين من أن تقتل المتظاهرين. لكني فرحت و تفائلت عندما وجدت شباب مصر أخذ على عاتقه حماية الممتلكات نظموا صفوفهم و وقفوا وقفة رجل واحد حتى شعرت بالأمان. أعتقدت أن الدولة لا مفر أمامها من الاستماع للشعب الغاضب, لكني للمرة الثانية أدركت مدى سذاجتي حين علمت بل رأيت التتار قادمون على ميدان التحرير راكبين الخيل و الجمال لا يلتفت راكبوها من يدهسون أو من يضربون يمنة و يسرة, لا أعلم أهم يتبعون جهاز الشرطة أم لا لكني أعلم أن دور الشرطة هو حماية المتظاهرين و ليس قتل المواطنين.

كنت أريد أن أرى بلادي حديثة تعبر بخطى واثقة نحو المستقبل لكن .. هم لا يريدون  أن يرجعوها فقط لما قبل 25 يناير بل لما قبل 1900 بقطع وسائل الاتصال بل لما قبل 1200 حين كانوا يتقاتلون بالخيل و الجمل.

فرحت بشجاعة المصريين و كنت فخور بهم جدا فهم استطاعوا أن يصمدوا ضد الشرطة يوم الجمعة و ضد عصابات البلطجية و ضد مهاجمين القرون البائدة الذين هاجموهم كالتتار. أدركت حينها كم هذا الشعب عظيم هذا الشعب يستحق حقا الحرية يستحق الكرامة يستحق أن تنحني له احتراما كل شعوب الأرض.و اعتقدت حينها أن الدولة لم يعد أمامها مفر من أن الاستماع للشعب لكني اكتشف مدى سذاجتي للمرة الثالثة, فلقد انتشرت دعوات المندسين و دعوات تجنب الفتنة و دعوات الرجوع بعيدا عن الخراب و للآسف كانت تلك الدعاوي هي الأكثر انحطاطا على الإطلاق, فقد انقسم المصريون, قاتلوا بعضهم بعضا, و قتلوا بعضهم بعضا, اتهم بعضهم الآخر بالخيانة و الآخر بدوره اتهمهم بالجبن.

انتشرت على الفيسبوك دعوات هي غريبة من نوعها فوجدت العشرات من أصدقائي (و عشرات الآلاف من المستخدمين) يؤكدون أنهم لن ينزلوا يوم الجمعة القادم تجنبا للفتنة – قال يعني هم كانوا نزلوا قبل كده - . و وجدت البعض الآخر يصف المصريين المتظاهرين بأحط الألفاظ بل لا يجد حرجا أن يدعوهم بأسماء بعض الحيوانات و الماشية متمنيا موتهم جميعا حتى يرتاح.  و البعض أخد يتهم مدير صفحة ما أنه عميل جاء لتخريب البلاد متدللا بخمس أو ست أدله يبلغوا من التفاهة أن أي طفل يستطيع أن يفندها بقليل من الحيادية و اليسير من المعرفة, متناسيا – أو غير عارفا – دور ذلك الرجل في إيقاظ المصريين من سباتهم العميق. و وجدت البعض بيشير فيديو للمظاهرات فيه صورة بنت حلوة شعرها أصفر شكلها اوروبية و بيقول بمنتهى الثقة "فوقواااااااا شوفوا مين بيحرك المصريين" متجاهلا عشرات الآلاف من المصريين المتظاهرين مدعيا إن تلك "الخواجية" الحلوة هي من تحركهم دون أي دليل.
هذا و ناهيك عن الذعر الذي ينتاب البعض كلما رأي في المظاهرات رجل ملتحي و كأن اللحية أصبحت تهمة متفكرا أن هذا الملتحي
يتربص به لقتله إذا ما خرج من بيته.

و كثرت الدعوات التي اعتدناها منذ عشرات السنين عن "اليد الخفية" و "الدول الأجنبية" و "الأجندات الخاصة" التي هي سبب في كل ما أصابنا من بلاء منذ تأسيس العالم حتى يومنا هذا. عجبت من كيفية تحليل الأمور التي قام بها البعض سواء عن قصد أو بغير قصد مؤكدين وجود تلك الأجندات الأجنبية عن طريق ما قاله أحد رؤساء الدول الأجنبية .. كم هذا مضحك حقا !! ماذا تعتقدون؟ هل تنتظرون رئيس إيران يصرح و يقول حيّ الله رجال مصر الأوفياء فهم سيبنون دولة حديثة؟!! هل تتوقعون أن يقول الرئيس مبارك أخشى أن أترك البلاد فتتقدم في غضون سنين قليلة؟ هل تتوقعون أن يخرج رئيس الوزراء ليقول مصر سيعمها السلام إذا تغير النظام؟ أثارت أيضا دهشتي دعوات من أمثال "من يحاول ركوب الموجة" و "من يريد جني الثمار" هذا الأمر عجيب حقا أبعد أن كبرت الشجرة و ترعرعت و روتها دماء اخوتنا و أعطت ثمارا نضرب جذورها بالفأس خشية أن يأتي آخر و يقطف ثمارها !! عجيب.

 هذا كله فضلا عن انتشار الدعوات من أمثال "لا للبرادعي" و "لا للإخوان" و "لا لعمر موسى" و لا لغيرهم و لغيرهم فبقينا بالبلدي بنقصقص ريشنا و انقسمنا على ذواتنا  و أرعبونا من المستقبل و سرقوا منا لذة فرحتنا و أصبحنا أعداء أنفسنا و حولوا نصرنا إلى هزيمة و سعادتنا إلى قلق بدل من أن نخرج لنحتفل مع الفرحين أصبحنا نجلس خلف شاشات الكمبيوتر نتهم هؤلاء بالغباء تارة و الخيانة تارة أخرى. أليس من حقنا أن نفرح بما حققناه من أنجاز؟ أليس من حقنا أن نقطف أثمارا من الشجرة التي روتها دماءنا ؟؟ اليس من حقنا أن نحتفل بعمل أنجزناه قلما حققه شعب في تاريخ الشعوب؟  أرجو هذا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق