السبت، 21 مايو 2011

الدين لمن و الوطن لمن؟


الدين لله والوطن للجميع.

هكذا سمعناها و تعلمناها و حفظناها عن ظهر قلب و رددناها وإن كان البعض من دعاة الدولة الثيؤقراطية (المترجمة خطأ الدينية) ينادون بأن الدين لله والوطن أيضا لله إلا أني قد نحيت منطقة الخلاف جانبا وفي السطور القادمة لا يهمني الوطن لمن بقدر ما يهمني الدين لمن وهو من المفترض أن جميعنا متفقين عليه.. فالدين لله!.

"الدين لله" كثيرا ما رددتها الألسنة دون القلوب حتى أصبحت قيمتها لا تتعدى قيمة حروفها القليلة وتأثيرها لا يتجاوز طبلة الأذن وفُرِّغَت من محتواها وضلّت مغزاها, فلكي نعيد إليها فحواها كان لزام أن نبحث بروية عن معناها.

"الدين لله" تضع أمامي الآن ثلاثة أسئلة, ليست مُعضلة, ما هو الدين؟ من هو الله؟ وما دلالة حرف الجر " لـ " الذي يربطهما؟
الله لفظ الجلالة كما يقول لسان العرب الله عز وجل وكل ما اتخذ من دونه معبودا. رب الكون ورب البشر. الدين هو مجموعة عقائد يؤمن بها الفرد سواء زمنية أو إسخاتولوجية أو أخروية مصحوبة بفرائض أو طقوس وسلوكيات هي العبادة لذلك لا يكون الدين مجرد مذهب فكري مجرد.

"الدين لله" حرف الجر ل وقفت أمامه مترددا, تُرى ماذا يعني؟ لعله يقصد أن الدين كعقيدة و عبادة يقدَّم لله كقولنا مثلا "الطاعة للملك" أو لعله يقصد أن الدين حقٌ يُعطى لله مثل ما نقول في الشطر الثاني من المقولة ذاتها "الوطن للجميع" أو لعله يقصد أن يشير إلى علاقة انتساب أو نصيب مثل في قولتنا المأثورة "العروسة للعريس" أي العروسة نصيبها العريس أو لعله يقصدها جميعها فكلها تدور في فلك واحد وعلى أي حال هناك ثمة علاقة وثيقة تربط  الـ "لام" ما بين طرفيها.


مازال السؤال قائما: الدين لمن؟ نعم نحن نقول أن الدين لله لكن عمليا هل نعطي الدين لله؟؟ دعنا نرى.

بادر ذهني أولا أن الدين ليس لله بل للسجل المدني, لأني كلما ذهبت لاستخراج بعض الأوراق من السجل يُطلب مني أن أكتب اسمي رباعيا متبوعا ببعض بيانات أخرى يتوسطها ديني, وظننت أنهم يسألوني عن ديني حتى يستطيعوا أن يميزوا بين المواطنين بسهولة على أساس طائفي (إذن الدين ليس للسجل المدني بل للتمييز الطائفي) الأمر الذي نفاه الجميع تقريبا مؤكدين أن السؤال عن الدين ليس للتمييز بل لمجرد جمع معلومات كي تستخدم إحصائيا فيما بعد فعلمت أن الدين ليس للتمييز الطائفي ولا للسجل المدني ولا لله بل الدين للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.

و يتسائل كثيرون كيف إذن ستطبق قوانين الأحوال الشخصية والمواريث والزواج والطلاق دون أن يجدوا ديني مكتوب على البطاقة الشخصية؟ هذا حقا سؤال وجيه إذن فليكن الدين ليس للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بل الدين لتطبيق قانون الأحوال الشخصية.

مرة سَئِمَ أحدهم حديثي وأخيرا صرخ "يعني ازاي واحد مسيحي يبقى رئيس لدولة أغلبها مسلمين؟!"   واحد مسيحي! ورغم أنه قال واحد وليس واحدة إلا أني سأفترض أن السائل لا يهمه النوع لأن في اللغة العربية  كلمة "شخص" لا تؤنث وحتى إن قصد بـ"واحد" أنه ذكر, فليكن, فأنا الآن لست بصدد الحديث عن التمييز الجنسي. وحتى استطيع فهم ما يكمن وراء السؤال حاولت أن اصيغه في قالب عربي صحيح "كيف يصير شخص مسيحي...؟" يصير شخص مسيحي, فعل وفاعل ونعت أي صفة, هنا جاء الدين ليصف الموصوف وهو الشخص, وإن قلت "شخصٌ مسيحيٌ" تكون مبتدأ وخبر وهنا جاء الدين ليكون خبرا لمبتدأه. ومن هنا عرفت أن الدين ليس لتطبيق قانون الأحوال الشخصية بل لتصنيف البشر ولا جديد في هذا فتصنيف البشر ووضعهم في مستوايات سبق وأن فعله أدولف هتلر منذ أقل من مائة عام.

"الواحد المسيحي" أو "الواحد المسلم" أو "الواحد اليهودي" أو "الواحد الأي حاجة" دينه لله ليس لك ولا لي ولا للجميع ولا للدولة ولا للسجل المدني ولا للتمييز الطائفي ولا للاحصائات الرسمية ولا لمحكمة الأسرة ولا لتصنيفه في مرتبته البشرية بل الدين لله .. الدين لله.

وإن كان هذا هو الحال في الحديث عن الشق الأول – الذي نتفق عليه – أن الدين لله فما بالك ان تحدثنا عن الشق الثاني وسألنا الوطن لمن؟؟
أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي يصير فيه الدين للمتعصبين أما الوطن فلا تبكي عليه لأنه ليس بموجود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق