فيه قاعدة سياسية بتقول ان المُشرِّع الشاطر هو اللي يعمل قانون يقبله الشعب بسلاسة, لان المُشرِّع دوره انه ينظم حياة الناس مش انه يكتم على نفسهم ولا يلخبط حياتهم.
يعني على سبيل المثال ما ينفعش المُشرِّع الأمريكي ينسخ قوانين الحرية الشخصية من السعودية, وإلا الأمريكان في خلال 24 ساعة هيعملوا ثورة تسقط الدولة بالكامل. وماينفعش المُشرِّع في مصر يقولك هنقفل المحلات الساعة 10 زي ألمانيا, ده الغباء بعينه, لان طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والظروف المناخية في ألمانيا غير مصر, فاللي يناسبهم مش بالضرورة يناسبنا.
إذن مفيش قوانين مطلقة تناسب كل الشعوب في كل الازمان, القوانين نسبية, لأن طبيعة وأمزجة الشعوب تتوقف على متغيرات كتيرة وكل شعب هيكون مبسوط بالقوانين اللي تناسبه. الشعب المتحرر هينبسط بقوانين الحرية, والشعب المحافظ هيفرح بالقوانين المقيدة للحرية.
فيه مثال تاريخي يحضرني, لما كانت الامبراطورية الرومانية بتتوسع جغرافيا وبتبسط نفوذها في اوربا والعالم, حصل ان بلد صغيرة سيطر عليها الرومان وكانت قوانينها غريبة, عندهم القتل والسرقة مش جريمة, فأهلها معرفوش يتأقلموا مع القوانين العامة في الإمبراطورية الرومانية, فراح الحاكم الروماني للبلد ديه مع وفد من سكانها للحاكم الأعلى للمقاطعة وعرضوا عليه المشكلة. فكان رد حاكم المقاطعة على حاكم البلد: أحكم بينهم داخليا بقوانينهم الهمجية.
فخلينا نتفق ان الشعب المتحضر هيقبل القوانين المتحضرة والشعب الهمجي هيقبل القوانين الهمجية, إذا ما اتفقنا على تعريف التحضر والهمجية. وكون شعب فرحان بقوانينه مش معنى كده انه هو ده الوضع المثالي.
قبل تطبيق الكلام النظري ده على الوضع الحالي في مصر عمليا لازم اذكر مثلث برمودا, مثلث الرعب, الممنوع الاقتراب منه, واللي هيتمسك متلبس بيحاول يدخل ليلته سودا ومطينة بطين, مثلث برمودا المصري له 3 اضلاع: السياسية والدين والجنس.
الشعب المصري بيعاني من 3 عقد نفسية : عقدة سياسية وسببها الخوف, عقدة دينية وسببها الهوس, وعقدة جنسية وسببها الحرمان.
وبالمناسبة كلمة عقدة نفسية مش شتيمة, الشعوب زيها زي الأشخاص, كلنا عندنا عقد نفسية بس كل واحد عقدته النفسيه في حتة.
العقدة النفسية السياسية:
سببها الخوف من بطش السلطة الحاكمة, من ايام عبد الناصر لحد دلوقتي. فانت كمواطن قدامك 3 اختيارات:
- اما تقبل على نفسك تكون خروف تؤيد السلطة الحاكمة تأييد اعمى.
- أو تعارضها فهيكون مصيرك التشوية او السجن او الاعتقال او حادثة عالصحراوي.
- أو تنفض للسياسة وتمشي جنب الحيطة وماتخافش هتلاقي لنفسك مبررات كتير.
أغلبية الناس بتلجأ للاختيار التالت, ومع الوقت, الشعب المصري في عمومه بقى سلبي وبعد عن السياسية, والكلام عنها بقى حرام. وإن كانت ثورة 25 يناير فشلت لحد دلوقتي في تحقيق اهدافها إلا انها نجحت نجاح ملحوظ في تراجع الخوف من بطش السلطة السياسية وإن كان مازال مستمر.
العقدة النفسية الدينية:
سببها الهوس الديني, الهوس وليس التطرف, الانسان المصري مهووس بالدين, المتطرف مهووس والمعتدل مهووس. والهوس بيئة صالحة للتطرف. واعتقد ان الهوس الديني هو ما يحلو للمصريين تسميته "التدين" ومن هنا جاءت اسطورة الشعب المصري متدين بطبعه .. عموما الكلام عن الهوس كتير مش مجاله دلوقتي.
اللي عايز اقوله ان من نتائج العقدة النفسية في الدين عن المصريين, انهم بيفرحوا بالقوانين اللي بتعمق عقدتهم النفسية, في ظاهرة أشبه بالتلذذ بتعذيب الذات. مثلا المصريين فرحانين بقانون يمنع غير اصحاب "الديانات السماوية" من ممارسة شعائرهم الدينية في العلن. المصري بيفرح انه دينه مكتوبله في البطاقة, مبسوط ان في الدستور مكتوب دين الدولة. مبسوط لانه دايما قريب من عقدته النفسية لأنه لو بعد عنها بيشعر بعدم الأمان.
العقدة النفسية الجنسية:
سببها الكبت الناتج عن الحرمان, فتلاقي الشاب (أو الشابة) المصري يا عيني عنده طاقة جنسية, زيه زي اي شاب في العالم, ربنا خلقنا كده, واحتياجه الجنسي لا عارف يشبعه شرعيا (حسب تعريف المجتمع لشرعية العلاقة الجنسية) عشان معندوش شقة ولا مهر ووظيفته معيشاه بالعافية ولا هيقدر يصرف على بيته ولا يدخل عياله مدارس, وفي نفس الوقت مش عارف يشبعها غير شرعيا عشان عليه رقيب خارجي بيحكم عليه في كل كبيرة وصغيرة ورقيب داخلي بيطارده دايما بالاحساس بالذنب. وزي ما قال اللمبي -بتصرف- يا تجوزوهم يا توفرلهم الكلة.
المهم, كبت فوق كبت فوق كبت فوق كبت, له نتيجة من الاتنين:
- إما هيتغلب على القيود الجنسية فينفجر, خلي بالك الانفجار هنا عنيف, لان التغلب على القيود الجنسية يتطلب اولا التغلب على القيود الاجتماعية والدينية, فا هيكفر بقيم المجتمع وهيكفر بالدين, وحتى لو ماصرحش غيره او نفسه بكده لكن ده المستقر جواه.
- أو هتتغلب عليه القيود فيتعقد نفسيا,
عشان كده تلاقي المصري يجيد قراءة كل كلمة وكل حركة وكل موقف قراءة جنسية. وبجانب الابعاد الاربعة الفيزيائية فيه بُعد خامس يراه المصري في كل شيء, البُعد الجنسي.
شعر البنت إيحاء جنسي يثير الغرائز, لو واحد لمس ايد زيملته تبقى منتهى قلة الادب, لو اتكلموا بصوت واطي يبقى اكيد فيه سيكو سيكو, لو وصلته بعربيتها يبقى فيه حاجة مخبينها, لو ركبوا مع بعض الاسانسير تبقى خلوة غير شرعية, لو قعد جنب بنت في اتوبيس يبقى سافل وبيعاكسها, لو هي بتكلم اصحابها عالفيسبوك تبقى ماشية المشي البطّال, لو حطة صورتها على تويتر تبقى عايزة تصيد رجالة .. إلى آخره من مظاهر تخيل وجود بُعد جنسي غير موجود في الواقع.
وعلى نفس طريقة التلذذ بتعذيب الذات, هتلاقي المصريين بيفرحوا بالقوانين اللي بتجذر احساسهم بالعقدة النفسية الجنسية, هيفرحوا بمنع المرأة من العمل في بعض الوظايف, أو فرض زي معين على المرأة, أو تخصيص عربية في المترو للستات, إلى آخرها من مظاهر التمييز الجنسي.
مبادرة تخصيص اتوبيس السيدات وما على شاكلتها, وإن لاقت قبول شعبي, فهي مش بتحل مشكلة لكن بتزود عمقها.